وثانيها: قوله تعالى: * (وقيل ادعوا شركاءكم فدعوهم فلم يستجيبوا لهم) * والأقرب أن هذا على سبيل التقرير لأنهم يعلمون أنه لا فائدة في دعائهم لهم، فالمراد أنهم لو دعوهم لم يوجد منهم إجابة في النصرة وأن العذاب ثابت فيهم، وكل ذلك على وجه التوبيخ، وفي ذكره ردع وزجر في دار الدنيا، فأما قوله تعالى: * (لو أنهم كانوا يهتدون) * فكثير من المفسرين زعموا أن جواب لو محذوف وذكروا فيه وجوها أحدها: قال الضحاك ومقاتل يعني المتبوع والتابع يرون العذاب ولو أنهم كانوا يهتدون في الدنيا ما أبصروه في الآخرة وثانيها: لو أنهم كانوا مهتدين في الدنيا لعلموا أن العذاب حق وثالثها: ودوا حين رأوا العذاب لو كانوا في الدنيا يهتدون ورابعها: لو كانوا يهتدون لوجه من وجوه الحيل لدفعوا به العذاب وخامسها: قد آن لهم أن يهتدوا لو أنهم كانوا يهتدون إذا رأوا العذاب ويؤكد ذلك قوله تعالى: * (لا يؤمنون به حتى يروا العذاب الأليم) * (الشعراء: 201) وعندي أن الجواب غير محذوف وفي تقريره وجوه أحدها: أن الله تعالى إذا خاطبهم بقوله: * (ادعوا شراءكم) * فههنا يشتد الخوف عليهم ويلحقهم شيء كالسدر والدوار ويصيرون بحيث لا يبصرون شيئا فقال تعالى: * (ورأوا العذاب لو أنهم كانوا يهتدون) * شيئا أما لما صاروا من شدة الخوف بحيث لا يبصرون شيئا لا جرم ما رأوا العذاب وثانيها: أنه تعالى لما ذكر عن الشركاء وهي الأصنام أنهم لا يجيبون الذين دعوهم قال في حقهم * (ورأوا العذاب لو أنهم كانوا يهتدون) * أي هذه الأصنام كانوا يشاهدون العذاب لو كانوا من الأحياء المهتدين ولكنها ليست كذلك فلا جرم ما رأت العذاب فإن قيل قوله: * (ورأوا العذاب) * ضمير لا يليق إلا بالعقلاء فكيف يصح عوده إلى الأصنام؟ قلنا هذا كقوله: * (فدعوهم فلم يستجيبوا لهم) * وإنما ورد ذلك على حسب اعتقاد القوم فكذا ههنا وثالثها: أن يكون المراد من الرؤية رؤية القلب أي والكفار علموا حقية هذا العذاب في الدنيا لو كانوا يهتدون وهذه الوجوه عندي خير من الوجوه المبنية على أن جواب لو محذوف فإن ذلك يقتضي تفكيك النظم من الآية الأمر الثالث: من الأمور التي يسأل الله الكفار عنها قوله: * (ويوم يناديهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين * فعميت عليهم الأنباء) * (القصص: 65، 66) أي فصارت الأنباء كالعمى عليهم جميعا لا تهتدي إليهم فهم لا يتساءلون لا يسأل بعضهم بعضا كما يتساءل الناس في المشكلات لأنهم يتساوون جميعا في عمي الأنباء عليهم والعجز عن الجواب، وقرئ فعميت وإذا كانت الأنبياء لهول ذلك يتعتعون في الجواب عن مثل هذا السؤال، ويفوضون الأمر إلى علم الله وذلك قوله تعالى: * (يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم، قالوا لا علم لنا إنك أنت علام الغيوب) * (المائدة: 109) فما ظنك بهؤلاء الضلال، قال القاضي هذه الآية تدل على بطلان القول بالجبر لأن فعلهم لو كان خلقا من الله تعالى ويجب وقوعه بالقدرة والإرادة لما عميت عليهم الأنباء ولقالوا إنما أتينا في تكذيب الرسل من جهة خلقك فينا تكذيبهم والقدرة الموجبة لذلك، فكانت حجتهم على الله تعالى طاهرة وكذلك القول فيما تقدم لأن الشيطان كان له أن يقول إنما أغويت بخلقك في الغواية، وإنما قبل من دعوته لمثل ذلك
(٨)