فالقول بأن كل ما جاء في القرآن مقرونا بالوعيد فهو كبيرة يقتضي أن يكون كل ذنب كبيرة وقد أبطلناه.
وأما الثاني: فهو أيضا ضعيف، لأن الله تعالى ذكر كثيرا من الكبائر في سائر السور، ولا معنى لتخصيصها بهذه السورة.
وأما الثالث: فضعيف أيضا، لأنه ان أراد بالعمد أنه ليس بساه عن فعله، فما هذا حاله هو الذي نهى الله عنه، فيجب على هذا أن يكون كل ذنب كبيرة وقد أبطلناه، وان أراد بالعمد أن يفعل المعصية مع العلم بأنها معصية، فمعلوم أن اليهود والنصارى يكفرون بمحمد صلى الله عليه وسلم وهم لا يعلمون أنه معصية، وهو مع ذلك كفر كبير، فبطلت هذه الوجوه الثلاثة. وذكر الشيخ الغزالي رحمه الله في منتخبات كتاب إحياء علوم الدين فصلا طويلا في الفرق بين الكبائر والصغائر فقال: فهذا كله قول من قال: الكبائر تمتاز عن الصغائر بحسب ذواتها وأنفسها.
وأما القول الثاني: وهو قول من يقول: الكبائر تمتاز عن الصغائر بحسب اعتبار أحوال فاعليها، فهؤلاء الذين يقولون: إن لكل طاعة قدرا من الثواب، ولكل معصية قدرا من العقاب، فإذا أتى الانسان بطاعة واستحق بها ثوابا، ثم أتى بمعصية واستحق بها عقابا، فههنا الحال بين ثواب الطاعة وعقاب المعصية بحسب القسمة العقلية يقع على ثلاثة أوجه: أحدها: أن يتعادلا ويتساويا، وهذا وإن كان محتملا بحسب التقسيم العقلي إلا أنه دل الدليل السمعي على أنه لا يوجد، لأنه تعالى قال: * (فريق في الجنة وفريق في السعير) * (الشورى: 7) ولو وجد مثل هذا المكلف وجب أن لا يكون في الجنة ولا في السعير.
والقسم الثاني: أن يكون ثواب طاعته أزيد من عقاب معصيته، وحينئذ ينحبط ذلك العقاب بما يساويه من الثواب، ويفضل من الثواب شيء، ومثل هذه المعصية هي الصغيرة، وهذا الانحباط هو المسمى بالتكفير.
والقسم الثالث: أن يكون عقاب معصيته أزيد من ثواب طاعته، وحينئذ ينحبط ذلك الثواب بما يساويه من العقاب، ويفضل من العقاب شيء، ومثل هذه المعصية هي الكبيرة، وهذا الانحباط هو المسمى بالاحباط، وبهذا الكلام ظهر الفرق بين الكبيرة وبين الصغيرة. وهذا قول جمهور المعتزلة.
واعلم أن هذا الكلام مبني على ول كلها باطلة عندنا. أولها: أن هذا مبنى على أن الطاعة توجب ثوابا والمعصية توجب عقابا، وذلك باطل لأنا بينا في كثير من مواضع هذا الكتاب أن