الحد، فوقعت الشبهة في قلوبهم أن ذلك هل يغفر لهم أم لا، فلهذا المعنى حصلت المراجعة. وقوله: هذا إغراء بالقبيح، فهو انه إنما يتم على مذهبه، أما على قولنا: انه تعالى فعال لما يريد، فالسؤال ساقط والله أعلم.
ثم قال: * (ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما) * أي اختلق ذنبا غير مغفور، يقال: افترى فلان الكذب إذا اعتمله واختلقه، وأصله من الفري بمعنى القطع.
قوله تعالى * (ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم بل الله يزكى من يشآء ولا يظلمون فتيلا * انظر كيف يفترون على الله الكذب وكفى به إثما مبينا) *.
اعلم أنه تعالى لما هدد اليهود بقوله: * (ان الله لا يغفر أن يشرك به) * فعند هذا قالوا: لسنا من المشركين، بل نحن خواص الله تعالى كما حكى تعالى عنهم انه قالوا: * (نحن أبناء الله وأحباؤه) * (المائدة: 18) وحكى عنهم أنهم قالوا: * (لن تمسنا النار إلا أياما معدودة) * وحكى أيضا أنهم قالوا: * (لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى) * (البقرة: 111) وبعضهم كانوا يقولون: أن آباءنا كانوا أنبياء فيشفعون لنا. وعن ابن عباس رضي الله عنه ان قوما من اليهود أتوا بأطفالهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا: يا محمد هل على هؤلاء ذنب؟ فقال لا، فقالوا: والله ما نحن إلا كهؤلاء: ما عملناه بالليل كفر عنا بالنهار، وما عملناه بالنهار كفر عنا بالليل. وبالجملة فالقوم كانوا قد بالغوا في تزكية أنفسهم فذكر تعالى في هذه الآية أنه لا عبرة بتزكية الانسان نفسه، وإنما العبرة بتزكية الله له وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى: التزكية في هذا الموضع عبارة عن مدح الانسان نفسه، ومنه تزكية المعدل للشاهد، قال تعالى: * (فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى) * (النجم: 32) وذلك لأن التزكية متعلقة بالتقوى، والتقوى صفة في الباطن، ولا يعلم حقيقتها إلا الله، فلا جرم لا تصلح التزكية إلا من الله، فلهذا قال تعالى: * (بل الله يزكي من يشاء) *.
فان قيل: أليس أنه صلى الله عليه وسلم قال: " والله إني لأمين في السماء أمين في الأرض ".
قلنا: إنما قال ذلك حين قال المنافقون له: إعدل في القسمة، ولأن الله تعالى لما زكاه