ثم لا يجاورونك فيها الا قليلا * ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا) * (الأحزاب: 60 - 61) وقوله: * (قل لن تخرجوا معي أبدا) * (التوبة: 83) وبالجملة فأمثال هذه الآيات توجب لهم الذل العظيم، فكانت معدودة في مصائبهم، وانما يصيبهم ذلك لأجل نفاقهم، وعني بقوله: * (ثم جاؤوك) * أي وقت المصيبة يحلفون ويعتذرون أنا ما أردنا بما كان منا من مداراة الكفار الا الصلاح، وكانوا في ذلك كاذبين لانهم أضمروا خلاف ما أظهروه، ولم يريدوا بذلك الاحسان الذي هو الصلاح. الثالث: قال أبو مسلم الأصفهاني: انه تعالى لما أخبر عن المنافقين أنهم رغبوا في حكم الطاغوت وكرهوا حكم الرسول، بشر الرسول صلى الله عليه وسلم أنه ستصيبهم مصائب تلجئهم إليه، والى أن يظهروا له الايمان به والى أن يحلفوا بأن مرادهم الاحسان والتوفيق. قال: ومن عادة العرب عند التبشير والانذار أن يقولوا: كيف أنت إذا كان كذا وكذا، ومثاله قوله تعالى: * (فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد) * (النساء: 41) وقوله: * (فكيف إذا جمعناهم ليوم لا ريب فيه) * (آل عمران: 25) ثم أمره تعالى إذا كان منهم ذلك أن يعرض عنهم ويعظهم.
المسألة الثالثة: في تفسير الاحسان والتوفيق وجوه: الأول: معناه ما أردنا بالتحاكم إلى غير الرسول صلى الله عليه وسلم الا الاحسان إلى خصومنا واستدامة الاتفاق والائتلاف فيما بيننا، وانما كان التحاكم إلى غير الرسول إحسانا إلى الخصوم لأنهم لو كانوا عند الرسول لما قدروا على رفع صوت عند تقرير كلامهم، ولما قدروا على التمرد من حكمه، فاذن كان التحاكم إلى غير الرسول إحسانا إلى الخصوم. الثاني: أن يكون المعنى ما أردنا بالتحاكم إلى عمر إلا أنه يحسن إلى صاحبنا بالحكم العدل والتوفيق بينه وبين خصمه، وما خطر ببالنا أنه يحكم بما حكم به الرسول. الثالث: أن يكون المعنى ما أردنا بالتحاكم إلى غيرك يا رسول الله الا أنك لا تحكم الا بالحق المر، وغيرك يدور على التوسط ويأمر كل واحد من الخصمين بالاحسان إلى الآخر، وتقريب مراده من مراد صاحبه حتى يحصل بينهما الموافقة.
ثم قال تعالى: * (أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم) * والمعنى أنه لا يعلم ما في قلوبهم من النفاق والغيظ والعداوة الا الله.
ثم قال تعالى: * (فأعرض عنهم وعظهم وقل لهم في أنفسهم قولا بليغا) * واعلم أنه تعالى أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعاملهم بثلاثة أشياء: الأول: قوله: * (فأعرض عنهم) * وهذا يفيد أمرين أحدهما: أن لا يقبل منهم ذلك العذر ولا يغتر به، فان من لا يقبل عذر غيره ويستمر على سخطه قد يوصف بأنه معرض عنه غير ملتفت إليه. والثاني: أن هذا يجري مجرى أن يقول له: اكتف بالاعراض عنهم ولا تهتك سترهم، ولا تظهر لهم أنك عالم بكنه ما في بواطنهم، فان من هتك ستر