الله صلى الله عليه وسلم: " لا ضمان على راع ولا على مؤتمن " وأما فعل عمر فهو محمول على أن المودع اعترف بفعل يوجب الضمان.
المسألة الخامسة: قال الشافعي رضي الله تعالى عنه: العارية مضمونة بعد الهلاك، وقال أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه: غير مضمونة. حجة الشافعي قوله تعالى: * (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها) * وظاهر الأمر للوجوب، وبعد هلاكها تعذر ردها بصورتها، ورد ضمانها ردها بمعناها، فكانت الآية دالة على وجوب التضمين. ونظير هذه الآية قوله عليه الصلاة والسلام: " على اليد ما أخذت حتى تؤديه " أقصى ما في الباب أن الآية مخصوصة في الوديعة، لكن العام بعد التخصيص حجة، وأيضا فلأنا أجمعنا على أن المستام مضمون، وأن المودع غير مضمون، والعارية وقعت في البين، فنقول: المشابهة بين العارية وبين المستام أكثر، لأن كل واحد منهما أخذه الأجنبي لغرض نفسه، بخلاف المودع، فإنه أخذ الوديعة لغرض المالك، فكانت المشابهة بين المستعار وبين المستام أتم، فظهر الفرق بين المستعار وبين المودع. حجة أبي حنيفة قوله عليه الصلاة والسلام: " لا ضمان على مؤتمن ".
قلنا: إنه مخصوص في المستام، فكذا في العارية، ولأن دليلنا ظاهر القرآن وهو أقوى.
قوله تعالى: * (وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا) *.
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: اعلم أن الأمانة عبارة عما إذا وجب لغيرك عليك حق فأديت ذلك الحق إليه فهذا هو الأمانة، والحكم بالحق عبارة عما إذا وجب لانسان على غيره حق فأمرت من وجب عليه ذلك الحق بأن يدفعه إلى من له ذلك الحق، ولما كان الترتيب الصحيح أن يبدأ الانسان بنفسه في جلب المنافع ودفع المضار ثم يشتغل بغيره، لا جرم أنه تعالى ذكر الأمر بالأمانة أولا، ثم بعده ذكر الأمر بالحكم بالحق، فما أحسن هذا الترتيب، لأن أكثر لطائف القرآن مودعة في الترتيبات والروابط.