أي صار في فرجتها وفضائها، ومعلوم أن هذا المعنى إنما يحصل في الحقيقة عند الجماع، أما في غير وقت الجماع فهذا غير حاصل. الثاني: أنه تعالى ذكر هذا في معرض التعجب، فقال: * (وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض) * والتعجب إنما يتم إذا كان هذا الافضاء سببا قويا في حصول الألفة والمحبة، وهو الجماع لا مجرد الخلوة، فوجب حمل الافضاء عليه. الثالث: وهو أن الافضاء إليها لا بد وأن يكون مفسرا بفعل منه ينتهي إليه، لأن كلمة " إلى " لانتهاء الغاية، ومجرد الخلوة ليس كذلك، لأن عند الخلوة المحضة لم يصل فعل من أفعال واحد منهما إلى الآخر، فامتنع تفسير قوله: * (أفضى بعضكم إلى بعض) * بمجرد الخلوة.
فان قيل: فإذا اضطجعا في لحاف واحد وتلامسا فقد حصل الافضاء من بعضهم إلى بعض فوجب أن يكون ذلك كافيا. وأنتم لا تقولون به.
قلنا: القائل قائلان، قائل يقول: المهر لا يتقرر إلا بالجماع، وآخر: انه يتقرر بمجرد الخلوة وليس في الأمة أحد يقول إنه يتقرر بالملامسة والمضاجعة، فكان هذا القول باطلا بالاجماع، فلم يبق في تفسير إفضاء بعضهم إلى بعض إلا أحد أمرين: إما الجماع، وإما الخلوة، والقول بالخلوة باطل لما بيناه، فبقي أن المراد بالافضاء هو الجماع. الرابع: أن المهر قبل الخلوة ما كان متقررا، والشرع قد علق تقرره على إفضاء البعض إلى البعض، وقد اشتبه الأمر في أن المراد بهذا الافضاء، هو الخلوة أو الجماع، وإذا وقع الشك وجب بقاء ما كان على ما كان، وهو عدم التقرير، فبهذه الوجوه ظهر ترجيح مذهب الشافعي والله أعلم.
المسألة الثانية: قوله: * (وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض) * كلمة تعجب، أي لأي وجه ولأي معنى تفعلون هذا؟ فإنها بذلت نفسها لك وجعلت ذاتها لذتك وتمتعك، وحصلت الألفة التامة والمودة الكاملة بينكما، فكيف يليق بالعاقل أن يسترد منها شيئا بذله لها بطيبة نفسه؟ إن هذا لا يليق البتة بمن له طبع سليم وذوق مستقيم.
الوجه الرابع: من الوجوه التي جعلها الله مانعا من استرداد المهر قوله: * (وأخذن منكم ميثاقا غليظا) * في تفسير هذا الميثاق الغليظ وجوه: الأول: قال السدي وعكرمة والفراء: هو قولهم زوجتك هذه المرأة على ما أخذه الله للنساء على الرجال، من إمساك بمعروف أو تسريح باحسان، ومعلوم أنه إذا ألجأها إلى أن بذلت المهر فما سرحها بالاحسان، بل سرحها بالإساءة. الثاني: قال ابن عباس ومجاهد: الميثاق الغليظ كلمة النكاح المعقودة على الصداق، وتلك الكلمة كلمة تستحل بها فروج النساء، قال صلى الله عليه وسلم: " اتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم