النوع الثاني: قوله: * (ولا تشركوا به شيئا) * وذلك لأنه تعالى لما أمر بالعبادة بقوله: * (واعبدوا الله) * أمر بالاخلاص في العبادة بقوله: * (ولا تشركوا به شيئا) * لأن من عبد مع الله غيره كان مشركا ولا يكون مخلصا، ولهذا قال تعالى: * (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين) * (البينة: 5).
النوع الثالث: قوله: * (وبالوالدين إحسانا) * واتفقوا على أن ههنا محذوفا، والتقدير: وأحسنوا بالوالدين إحسانا كقوله: * (فضرب الرقاب) * (محمد: 4) أي فاضربوها، ويقال: أحسنت بفلان، وإلى فلان. قال كثير: أسيئي بنا أو أحسني لا ملومة لدنيا ولا مقلية إن تقلت واعلم أنه تعالى قرن إلزام بر الوالدين بعبادته وتوحيده في مواضع: أحدها: في هذه الآية، وثانيها: قوله: * (وقضى ربك أن لا تعبدوا إياه وبالوالدين إحسانا) * (الإسراء: 23) وثالثها: قوله: * (أن اشكر لي ولوالديك إلى المصير) * (لقمان: 14) وكفى بهذا دلالة على تعظيم حقهما ووجوب برهما والاحسان إليهما. ومما يدل على وجوب البر إليهما قوله تعالى: * (فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما) * (الإسراء: 23) وقال: * (ووصينا الانسان بوالديه حسنا) * وقال في الوالدين الكافرين: * (وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا) * (لقمان: 15) وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: * (أكبر الكبائر الاشراك بالله وعقوق الوالدين واليمين الغموس) * وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم من اليمن استأذنه في الجهاد، فقال عليه السلام: " هل لك أحد باليمن فقال أبواي فقال: أبواك أذنا لك فقال لا فقال فارجع واستأذنهما فان أذنا لك فجاهد وإلا فبرهما ".
واعلم أن الاحسان إلى الوالدين هو أن يقوم بخدمتهما، وألا يرفع صوته عليهما، ولا يخشن في الكلام معهما، ويسعى في تحصيل مطالبهما والانفاق عليهما بقدر القدرة من البر، وأن لا يشهر عليهما سلاحا، ولا يقتلهما، قال أبو بكر الرازي: إلا أن يضطر إلى ذلك بأن يخاف أن يقتله أن ترك قتله، فحينئذ يجوز له قتله؛ لأنه إذا لم يفعل ذلك كان قد قتل نفسه بتمكين غيره منه، وذلك منهي عنه، روي أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى حنظلة بن أبي عامر الراهب عن قتل أبيه وكان مشركا.
النوع الرابع: قوله تعالى: * (وبذي القربى) * وهو أمر بصلة الرحم كما ذكر في أول السورة بقوله: * (والأرحام) *.
واعلم أن الوالدين من الأقارب أيضا، إلا أن قرابة الولاد لما كانت مخصوصة بكونها أقرب القرابات وكانت مخصوصة بخواص لا تحصل في غيرها، لا جرم ميزها الله تعالى في الذكر عن سائر الأنواع، فذكر في هذه الآية قرابة الولاد، ثم أتبعها بقرابة الرحم.