ثم قال تعالى: * (وان كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة) * وفيه مسائل:
المسألة الأولى: وان كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق، فيه قولان: الأول: ان المراد منه المسلم، وذلك لأنه تعالى ذكر أولا حال المسلم القاتل خطأ ثم ذكر حال المسلم المقتول خطأ إذا كان فيما بين أهل الحرب، ثم ذكر حال المسلم المقتول خطأ إذا كان فيما بين أهل العهد وأهل الذمة ولا شك ان هذا ترتيب حسن فكان حمل اللفظ عليه جائزا، والذي يؤكد صحة هذا القول أن قوله * (وان كان) * لا بد من إسناده إلى شيء جرى ذكره فيما تقدم، والذي جرى ذكره فيما تقدم هو المؤمن المقتول خطأ. فوجب حمل اللفظ عليه.
القول الثاني: أن المراد منه الذمي، والتقدير: وان كان المقتول من قوم بينكم وبينهم ميثاق ومعنى كون المقتول منهم أنه على دينهم ومذهبهم، والقائلون بهذا القول طعنوا في القول الأول من وجوه: الأول: أن المسلم المقتول خطأ سواء كان من أهل الحرب أو كان من أهل الذمة فهو داخل تحت قوله: * (ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله) * فلو كان المراد من هذه الآية هو المؤمن لكان هذا عطفا للشيء على نفسه وانه لا يجوز، بخلاف ما إذا كان المؤمن المقتول خطأ من سكان دار الحرب، فإنه تعالى إنما أعاده لبيان أنه لا تجب الدية في قتله، وأما في هذه الآية فقد أوجب الدية والكفارة، فلو كان المراد منه هو المؤمن لكان هذا إعادة وتكرارا من غير فائدة وإنه لا يجوز. الثاني: أنه لو كان المراد منه ما ذكرتم لما كانت الدية مسلمة إلى أهله لأن أهله كفار لا يرثونه. الثالث: ان قوله: * (وان كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق) * يقتضي أن يكونوا من ذلك القوم في الوصف الذي وقع التنصيص عليه وهو حصول الميثاق بينهما، فان كونه منهم مجمل لا يدري أنه منهم في أي الأمور، وإذا حملناه على كونه منهم في ذلك الوصف زال الاجمال فكان ذلك أولى، وإذا دلت الآية على أنه منهم في كونه معاهدا وجب أن يكون ذميا أو معاهدا مثلهم ويمكن أن يجاب عن هذه الوجوه:
أما الأول: فجوابه أنه تعالى ذكر حكم المؤمن المقتول على سبيل الخطأ، ثم ذكر أحد قسميه وهو المؤمن المقتول خطأ الذي يكون من سكان دار الحرب، فبين أن الدية لا تجب في قتله، وذكر القسم الثاني وهو المؤمن المقتول خطأ الذي يكون من سكان مواضع أهل الذمة، وبين وجوب الدية والكفارة في قتله، والغرض منه اظهار الفرق بين هذا القسم وبين ما قبله.
وأما الثاني: فجوابه أن أهله هم المسلمون الذين تصرف ديته إليهم.