لزم القول بأن طاعة الرسول عين طاعة الله، هذا معنى كلام الشافعي.
المسألة الثالثة: قوله: * (من يطع الرسول فقد أطاع الله) * يدل على أنه لا طاعة إلا لله البتة، وذلك لأن طاعة الرسول لكونه رسولا فيما هو فيه رسول لا تكون إلا طاعة لله، فكانت الآية دالة على أنه لا طاعة لأحد إلا لله. قال مقاتل في هذه الآية: ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: " من أحبني فقد أحب الله ومن أطاعني فقد أطاع الله " فقال المنافقون: لقد قارب هذا الرجل الشرك وهو أن ينهي أن نعبد غير الله، ويريد أن نتخذه ربا كما اتخذت النصارى عيسى، فأنزل الله هذه الآية.
واعلم أنا بينا كيفية دلالة الآية على أنه لا طاعة البتة للرسول، وإنما الطاعة لله. أما قوله: * (ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا) * ففيه قولان: أحدهما: أن المراد من التولي هو التولي بالقلب، يعني يا محمد حكمك على الظواهر، أما البواطن فلا تتعرض لها. والثاني: أن المراد به التولي بالظاهر، ثم ههنا ففي قوله: * (فما أرسلناك عليهم حفيظا) * قولان: الأول: معناه فلا ينبغي أن تغتم بسبب ذلك التولي وأن تحزن، فما أرسلناك لتحفظ الناس عن المعاصي، والسبب في ذلك أنه عليه الصلاة والسلام كان يشتد حزنه بسبب كفرهم وإعراضهم، فالله تعالى ذكر هذا الكلام تسلية له عليه الصلاة والسلام عن ذلك الحزن. الثاني: أن المعنى فما أرسلناك لتشتغل بزجرهم عن ذلك لتولى وهو كقوله: * (لا إكراه في الدين) * (البقرة: 256) ثم نسخ هذا بعده بآية الجهاد.
قوله تعالى * (ويقولون طاعة فإذا برزوا من عندك بيت طآئفة منهم غير الذى تقول والله يكتب ما يبيتون فأعرض عنهم وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا) *.
أي ويقولون إذا أمرتهم بشيء * (طاعة) * بالرفع، أي أمرنا وشأننا طاعة، ويجوز النصب بمعنى أطعناك طاعة، وهذا كما إذا قال الرجل المطيع المنقاد: سمعا وطاعة، وسمع وطاعة. قال سيبويه: سمعنا بعض العرب الموثوق بهم يقال لهم كيف أصبحت؟ فيقول: حمد الله وثناء عليه، كأنه قال: أمرى وشأني حمدا لله.
واعلم أن النصب يدل على مجرد الفعل. وأما الرفع فإنه يدل على ثبات الطاعة واستقرارها * (فإذا برزوا من عندك) * أي خرجوا من عندك * (بيت طائفة منهم غير الذي تقول) * وفيه مسائل: