على الحدث الأصغر لما بقي للحدث الأكبر ذكر في الآية، فوجب حمله على الحدث الأكبر.
واعلم أن كل ما ذكروه عدول عن ظاهر اللفظ بغير دليل، فوجب أن لا يجوز. وأيضا فحكم الجنابة تقدم في قوله: * (ولا جنبا) * فلو حملنا هذه الآية على الجنابة لزم التكرار.
المسألة الثالثة: قال أهل الظاهر: إنما ينتقض وضوء اللامس لظاهر قوله: * (أو لامستم النساء) * أما الملموس فلا. وقال الشافعي رضي الله عنه: بل ينتقض وضوءهما معا.
واعلم أنه تعالى لما ذكر هذه الأسباب الأربعة قال: * (فلم تجدوا ماء) * وفيه مسائل:
المسألة الأولى: قال الشافعي رضي الله عنه: إذا دخل وقت الصلاة فطلب الماء ولم يجده وتيمم وصلى، ثم دخل وقت الصلاة الثانية وجب عليه الطلب مرة أخرى. وقال أبو حنيفة رضي الله عنه لا يجب، حجة الشافعي قوله: * (فلم تجدوا ماء) * وعدم الوجدان مشعر بسبق الطلب، فلا بد في كل مرة من سبق الطلب.
فان قيل: قولنا: وجد، لا يشعر بسبق الطلب، بدليل قوله تعالى: * (ووجدك ضالا فهدى ووجدك عائلا فأغنى) * (الضحى: 7 - 8) وقوله: * (وما وجدنا لأكثرهم من عهد) * (الأعراف: 102) وقوله: * (ولم نجد له عزما) * فان الطلب على الله محال.
قلنا: الطلب وإن كان في حقه تعالى محالا، إلا أنه لما أخرج محمدا صلى الله عليه وسلم من بين قومه بما لم يكن لائقا لقومه صار ذلك كأنه طلبه، ولما أمر المكلفين بالطاعات ثم إنهم قصروا فيها صار كأنه طلب شيئا ثم لم يجده، فخرجت هذه اللفظة في هذه الآيات على سبيل التأويل من الوجه الذي ذكرناه.
المسألة الثانية: أجمعوا على أنه لو وجد الماء لكنه يحتاج إليه لعطشه أو عطش حيوان محترم جاز له التيمم، أما إذا وجد من الماء مالا يكفيه للوضوء، فهل يجب عليه أن يجمع بين استعمال ذلك القدر من الماء وبين التيمم؟ قد أوجبه الشافعي رضي الله عنه، متمسكا بظاهر لفظ الآية.
ثم قال تعالى: * (فتيمموا صعيد طيبا) * وفي مسائل:
المسألة الأولى: التيمم في اللغة عبارة عن القصد، يقال: أممته وتيممته وتأممته، أي قصدته وأما على الصعيد فهو فعيل بمعنى الصاعد، قال الزجاج: الصعيد وجه الأرض، ترابا كان أو غيره.
المسألة الثانية: قال أبو حنيفة رضي الله عنه: لو فرضنا صخرا لا تراب عليه فضرب المتيمم يده عليه ومسح كان ذلك كافيا. وقال الشافعي رضي الله عنه: بل لا بد من تراب يلتصق بيده. احتج أبو حنيفة بظاهر هذه الآية فقال: التيمم هو القصد، والصعيد هو ما تصاعد من الأرض، فقوله: * (فتمموا