ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة إن الله كان عليما حكيما (24) لا يدفع قولنا، وقولهم: الناسخ إما أن يكون متواترا أو آحادا.
قلنا: لعل بعضهم سمعه ثم نسيه، ثم إن عمر رضي الله عنه لما ذكر ذلك في الجمع العظيم تذكروه وعرفوا صدقه فيه فسلموا الأمر له.
قوله: إن عمر أضاف النهي عن المتعة إلى نفسه.
قلنا: قد بينا أنه لو كان مراده أن المتعة كانت مباحة في شرع محمد صلى الله عليه وسلم وأنا أنهي عنه لزم تكفيره وتكفير كل من لم يحاربه وينازعه، ويفضي ذلك إلى تكفير أمير المؤمنين حيث لم يحاربه ولم يرد ذلك القول عليه، وكل ذلك باطل، فلم يبق إلا أن يقال: كان مراده أن المتعة كانت مباحة في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنا أنهي عنها لما ثبت عندي أنه صلى الله عليه وسلم نسخها، وعلى هذا التقدير يصير هذا الكلام حجة لنا في مطلوبنا والله أعلم.
ثم قال تعالى: * (فآتوهن أجورهن فريضة) * والمعنى أن إيتاءهن أجورهن ومهورهن فريضة لازمة وواجبة، وذكر صاحب " الكشاف " في قوله: * (فريضة) * ثلاثة أوجه: أحدها: أنه حال من الأجور بمعنى مفروضة. وثانيها: أنها وضعت موضع إيتاء، لأن الايتاء مفروض. وثالثها: أنه مصدر مؤكد، أي فرض ذلك فريضة.
ثم قال تعالى: * (ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة ان الله كان عليما حكيما) *.
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: الذين حملوا الآية المتقدمة على بيان حكم النكاح قالوا: المراد أنه إذا كان المهر مقدرا بمقدار معين، فلا حرج في أن تحط عنه شيئا من المهر أو تبرئه عنه بالكلية، فعلى هذا: المراد من التراضي الحط من المهر أو الابراء عنه، وهو كقوله تعالى: * (فان طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا) * (النساء: 4) وقوله: * (إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح) * (البقرة: 237) وقال الزجاج معناه: لا إثم عليكم في أن تهب المرأة للزوج مهرها، أو يهب الزوج للمرأة تمام المهر إذا طلقها قبل الدخول. وأما الذين حملوا الآية المتقدمة على بيان المتعة قالوا: المراد من هذه الآية أنه إذا انقضى أجل المتعة لم يبق للرجل على المرأة سبيل البتة، فان قال لها: زيديني في الأيام وأزيدك