المسألة الثانية: من عادة العرب أنهم يقولون في الشيء الذي يتوقعونه: كيف بك إذا كان كذا وكذا، وإذا فعل فلان كذا، وإذا جاء وقت كذا، فمعنى هذا الكلام: كيف ترون يوم القيامة إذا استشهد الله على كل أمة برسولها، وأستشهدك على هؤلاء، يعني قومه المخاطبين بالقرآن الذين شاهدهم وعرف أحوالهم. ثم إن أهل كل عصر يشهدون على غيرهم ممن شاهدوا أحوالهم، وعلى هذا الوجه قال عيسى عليه السلام: " وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم ".
ثم انه تعالى وصف ذلك اليوم فقال: * (يؤمئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا) * وفيه مسائل:
المسألة الأولى: قوله: * (الذين كفروا وعصوا الرسول) * يقتضي كون عصيان الرسول مغايرا للكفر. لأن عطف الشيء على نفسه غير جائز، فوجب حمل عصيان الرسول على المعاصي المغايرة للكفر، إذا ثبت هذا فنقول: الآية دالة على أن الكفار مخاطبون بفروع الاسلام، وأنهم كما يعاقبون يوم القيامة على الكفر فيعاقبون أيضا على تلك المعاصي. لأنه لو لم يكن لتلك المعصية أثر في هذا المعنى لما كان في ذكر معصيتهم في هذا الموضع أثر.
المسألة الثانية: قرأ ابن كثير وعاصم وأبو عمرو * (تسوى) * مضمومة التاء خفيفة السين على ما لم يسم فاعله، وقرأ نافع وابن عامر * (تسوى) * مفتوحة التاء مشددة السين بمعنى: تتسوى، فأدغم التاء في السين لقربها منها، ولا يكره اجتماع التشديدين في هذه القراءة لأن لها نظائر في التنزيل كقوله: * (اطيرنا بك) * ( النمل: 47) * (وازينت) * (يونس: 24) * (ويذكرون) * (الأنعام: 26) وفي هذه القراءة اتساع، وهو إسناد الفعل إلى الأرض وقرأ حمزة والكسائي * (تسوى) * مفتوحة التاء والسين خفيفة، حذفا التاء التي أدغمها نافع، لأنها كما اعتلت بالادغام اعتلت بالحذف.
المسألة الثالثة: ذكروا في تفسير قوله: * (لو تسوى بهم الأرض) * وجوها: الأول: لو يدفنون فتسوى بهم الأرض كما تسوى بالموتى. والثاني: يودون أنهم لم يبعثوا وأنهم كانوا والأرض سواء. الثالث: تصير البهائم ترابا فيودون حالها كقوله: * (يا ليتني كنت ترابا) * (النبأ: 40).
المسألة الرابعة: قوله: * (ولا يكتمون الله حديثا) * فيه لأهل التأويل طريقان: الأول: أن هذا متصل بما قبله. والثاني: أنه كلام مبتدأ، فإذا جعلناه متصلا احتمل وجهين: أحدهما: ما قاله ابن عباس رضي الله عنهما: يودون لو تنطبق عليهم الأرض ولم يكونوا كتموا أمر محمد صلى الله عليه وسلم ولا كفروا به ولا نافقوا، وعلى هذا القول: الكتمان عائد إلى ما كتموا من أمر محمد صلى الله عليه وسلم، الثاني: أن المشركين لما رأوا يوم القيامة أن الله تعالى يغفر لأهل الاسلام ولا يغفر