المسألة الثانية: قالت المعتزلة: أجمع المفسرون على أن المراد من قوله: * (لا يكادون يفقهون حديثا) * أنهم لا يفقهون هذه الآية المذكورة في هذا الموضع، وهذا يقتضي وصف القرآن بأنه حديث، والحديث فعيل بمعنى مفعول، فيلزم منه أن يكون القرآن محدثا.
والجواب: مرادكم بالقرآن ليس إلا هذه العبارات، ونحن لا ننازع في كونها محدثة.
المسألة الثالثة: الفقه: الفهم، يقال أوتى فلانا فقها، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم لابن عباس: " فقهه في التأويل " أي فهمه.
قوله تعالى * (مآ أصابك من حسنة فمن الله ومآ أصابك من سيئة فمن نفسك وأرسلناك للناس رسولا وكفى بالله شهيدا) *.
قال أبو علي الجبائي: قد ثبت أن لفظ السيئة تارة يقع على البلية والمحنة، وتارة يقع على الذنب والمعصية، ثم إنه تعالى أضاف السيئة إلى نفسه في الآية الأولى بقوله: * (قل كل من عند الله) * (النساء: 78) وأضافها في هذه الآية إلى العبد بقوله: * (وما أصابك من سيئة فمن نفسك) * (النساء: 79) فلا بد من التوفيق بين هاتين الآيتين وإزالة التناقض عنهما، ولما كانت السيئة بمعنى البلاء والشدة مضافة إلى الله وجب أن تكون السيئة بمعنى المعصية مضافة إلى العبد حتى يزول التناقض بين هاتين الآيتين المتجاورتين، قال: وقد حمل المخالفون أنفسهم على تغيير الآية وقرأوا: * (فمن تعسك) * فغيروا القرآن وسلكوا مثل طريقة الرافضة من ادعاء التغيير في القرآن.
فان قيل: فلماذا فصل تعالى بين الحسنة والسيئة في هذه الآية فأضاف الحسنة التي هي الطاعة إلى نفسه دون السيئة وكلاهما فعل العبد عندكم؟
قلنا: لأن الحسنة وإن كانت من فعل العبد فإنما وصل إليها بتسهيله تعالى وألطافه فصحت الإضافة إليه، وأما السيئة التي هي من فعل العبد فهي غير مضافة إلى الله تعالى لا بأنه تعالى فعلها ولا بأنه أرادها، ولا بأنه أمر بها، ولا بأنه رغب فيها، فلا جرم انقطعت إضافة هذه السيئة من جميع الوجوه إلى الله تعالى. هذا منتهى كلام الرجل في هذا الموضع.