وقوله: * (فسوف نصليه نارا) * وان كان لا يدل على التخليد إلا أن كل من قطع بوعيد الفساق قال: بتخليدهم، فيلزم من ثبوت أحدهما ثبوت الآخر، لأنه لا قائل بالفرق. والجواب عنه بالاستقصاء قد تقدم في مواضع، إلا أن الذي نقوله ههنا: ان هذا مختص بالكفار، لأنه قال: * (ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما) * ولا بد من الفرق بين العدوان وبين الظلم دفعا للتكرير، فيحمل الظلم على ما إذا كان قصده التعدي على تكاليف الله، ولا شك أن من كان كذلك كان كافرا لا يقال: أليس أنه وصفهم بالايمان فقال: * (يا أيها الذين آمنوا) * فكيف يمكن أن يقال: المراد بهم الكفار؟ لأنا نقول: مذهبكم أن من دخل تحت هذا الوعيد لا يكون مؤمنا البتة، فلا بد على هذا المذهب أن تقولوا: أنهم كانوا مؤمنين، ثم لما أتوا بهذه الأفعال ما بقوا على وصف الايمان، فإذا كان لا بد لكم من القول بهذا الكلام. فلم لا يصح هذا الكلام منا أيضا في تقرير ما قلناه؟ والله أعلم.
ثم أنه تعالى ختم الآية فقال: * (وكان ذلك على الله يسيرا) *. واعلم أن جميع الممكنات بالنسبة إلى قدرة الله على السوية، وحينئذ يمتنع أن يقال: ان بعض الأفعال أيسر عليه من بعض، بل هذا الخطاب نزل على القول المتعارف فيما بيننا كقوله تعالى: * (وهو أهون عليه) * أو يكون معناه المبالغة في التهديد، وهو أن أحدا لا يقدر على الهرب منه ولا على الامتناع عليه.
* (إن تجتنبوا كبآئر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما) *.
اعلم أنه تعالى لما قدم ذكر الوعيد أتبعه بتفصيل ما يتعلق به فذكر هذه الآية، وفيه مسائل:
المسألة الأولى: من الناس من قال: جميع الذنوب والمعاصي كبائر. روى سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال: كل شيء عصى الله فيه فهو كبيرة، فمن عمل شيئا منها فليستغفر الله، فان الله تعالى لا يخلد في النار من هذه الأمة إلا راجعا عن الاسلام، أو جاحدا فريضة، أو مكذبا بقدر. واعلم أن هذا القول ضعيف لوجوه:
الحجة الأولى: هذه الآية، فان الذنوب لو كانت بأسرها كبائر لم يصح الفصل بين ما يكفر باجتناب الكبائر وبين الكبائر.