يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم في غير الحد، وإن كان في الأمور مالا يجب ذلك فيه والله أعلم.
ثم قال تعالى: * (ذلك لمن خشي العنت منكم) * (النساء: 25) ولم يختلفوا في أن ذلك راجع إلى نكاح الإماء فكأنه قال: فمما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات لمن خشي العنت منكم، والعنت هو الضرر الشديد الشاق قال تعالى فيما رخص فيه مخالطة اليتامى: * (والله يعلم المفسد من المصلح ولو شاء الله لأعنتكم) * (البقرة: 220) أي لشدد الأمر عليكم فألزمكم تمييز طعامكم من طعامهم فلحقكم بذلك ضرر شديد وقال: * (ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم) * (آل عمران: 118)، أي أحبوا أن تقعوا في الضرر الشديد. وللمفسرين فيه قولان: أحدهما: أن الشبق الشديد والغلمة العظيمة ربما تحمل على الزنا فيقع في الحد في الدنيا وفي العذاب العظيم في الآخرة، فهذا هو العنت. والثاني: أن الشبق الشديد والغلمة العظيمة قد تؤدي بالانسان إلى الأمراض الشديدة، أما في حق النساء فقد تؤدي إلى اختناق الرحم، وأما في حق الرجال فقد تؤدي إلى أوجاع الوركين والظهر. وأكثر العلماء على الوجه الأول لأنه هو اللائق ببيان القرآن.
ثم قال تعالى: * (وأن تصبروا خير لكم) * وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: المراد أن نكاح الإماء بعد رعاية شرائطه الثلاثة أعني عدم القدرة على التزوج بالحرة، ووجود العنت، وكون الأمة مؤمنة: الأولى تركه لما بينا من المفاسد الحاصلة في هذا النكاح.
المسألة الثانية: مذهب أبي حنيفة رضي الله عنه أن الاشتغال بالنكاح أفضل من الاشتغال بالنوافل، فان كان مذهبهم أن الاشتغال بالنكاح مطلقا أفضل من الاشتغال بالنوافل، سواء كان النكاح نكاح الحرة أو نكاح الأمة، فهذه الآية نص صريح في بطلان قولهم، وآن قالوا: إنا لا نرجح نكاح الأمة على النافلة، فحينئذ يسقط هذا الاستدلال، إلا أن هذا التفصيل ما رأيته في شيء من كتبهم والله أعلم. ثم انه تعالى ختم الآية بقوله: * (والله غفور رحيم) * وهذا كالمؤكد لما ذكره من أن الأولى ترك هذا النكاح، يعني انه وان حصل ما يقتضي المنع من هذا الكلام إلا أنه تعالى أباحه لكم لاحتياجكم إليه، فكان ذلك من باب المغفرة والرحمة والله أعلم.
* (يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم والله عليم حكيم) *.
فيه مسائل: