ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن وسألوا الله من فضله إن الله كان بكل شئ عليما (32) صغيرا بالنسبة إلى شيء آخر، وكذا القول في الصغائر، إلا أن الذي يحكم بكونه كبيرا على الاطلاق هو الكفر، وإذا ثبت هذا فلم لا يجوز أن يكون المراد بقوله: * (إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه) * الكفر؟ وذلك لأن الكفر أنواع كثيرة: منها الكفر بالله وبأنبيائه وباليوم الآخر وشرائعه، فكان المراد أن من اجتنب عن الكفر كان ما وراءه مغفورا، وهذا الاحتمال منطبق موافق لصريح قوله تعالى: * (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) * (النساء: 48) وإذا كان هذا محتملا، بل ظاهرا سقط استدلالهم بالكلية وبالله التوفيق.
المسألة الرابعة: قالت المعتزلة: إن عند اجتناب الكبائر يجب غفران الصغائر، وعندنا أنه لا يجب عليه شيء، بل كل ما يفعله فهو فضل وإحسان، وقد تقدم ذكر دلائل هذه المسألة.
ثم قال تعالى: * (وندخلكم مدخلا كريما) * وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: قرأ المفضل عن عاصم * (يكفر ويدخلكم) * بالياء في الحرفين على ضمير الغائب، والباقون بالنون على استئناف الوعد، وقرأ نافع * (مدخلا) * بفتح الميم وفي الحج مثله، والباقون بالضم، ولم يختلفوا في * (مدخل صدق) * بالضم، فبالفتح المراد موضع الدخول، وبالضم المراد المصدر وهو الادخال، أي: ويدخلكم إدخالا كريما، وصف الادخال بالكرم بمعنى أن ذلك الادخال يكون مقرونا بالكرم على خلاف من قال الله فيهم: * (الذين يحشرون على وجوههم إلى جهنم) * (الفرقان: 34) المسألة الثانية: أن مجرد الاجتناب عن الكبائر لا يوجب دخول الجنة، بل لا بد معه من الطاعات، فالتقدير: ان أتيتم بجميع الواجبات، واجتنبتم عن جميع الكبائر كفرنا عنكم بقية السيئات وأدخلناكم الجنة، فهذا أحد ما يوجب الدخول في الجنة. ومن المعلوم أن عدم السبب الواحد لا يوجب عدم المسبب، بل ههنا سبب آخر هو السبب الأصلي القوي، وهو فضل الله وكرمه ورحمته، كما قال: * (قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا) * (يونس: 58) والله أعلم.
* (ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما كتسبوا وللنسآء نصيب مما اكتسبن واسألوا الله من فضله إن الله كان بكل شىء عليما) *.