المراد من قوله: * (أضل الله) * ليس أنه هو خلق الضلال فيه للوجوه المشهورة، ولأنه تعالى قال قبل هذه الآية: * (والله أركسهم بما كسبوا) * فبين تعالى انه إنما ردهم وطردهم بسبب كسبهم وفعلهم، وذلك ينفي القول بان إضلالهم حصل بخلق الله وعند هذا حملوا قوله: * (من أضل الله) * على وجوه: الأول: المراد منه ان الله تعالى حكم بضلالهم وكفرهم كما يقال فلان يكفر فلانا ويضله: بمعنى أنه حكم به وأخبر عنه: الثاني: أن المعنى أتريدون أن تهدوا إلى الجنة من أضله الله عن طريق الجنة، وذلك لأنه تعالى يضل الكفار يوم القيامة عن الاهتداء إلى طريق الجنة. الثالث: أن يكون هذا الاضلال مفسرا بمنع الألطاف:
واعلم أنا قد ذكرنا في مواضع كثيرة من هذا الكتاب ضعف هذه الوجوه، ثم نقول: هب أنها صحيحة، ولكنه تعالى لما أخبر عن كفرهم وضلالهم، وانهم لا يدخلون الجنة فقد توجه الاشكال لأن انقلاب علم الله تعالى جهلا محال، والمفضي إلى المحال محال، ومما يدل على أن المراد من الآية أن الله تعالى أضلهم عن الدين قوله: * (ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا) * فالمؤمنون في الدنيا انما كانوا يريدون من المنافقين الايمان ويحتالون في إدخالهم فيه.
ثم قال تعالى: * (ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا) * فوجب أن يكون معناه أنه تعالى لما أضلهم عن الايمان امتنع أن يجد المخلوق سبيلا إلى ادخاله في الايمان، وهذا ظاهر.
قوله تعالى * (ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سوآء فلا تتخذوا منهم أوليآء حتى يهاجروا فى سبيل الله فإن تولوا فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم ولا تتخذوا منهم وليا ولا نصيرا) *.
وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: انه تعالى لما قال قبل هذه الآية: * (أتريدون أن تهدوا من أضل الله) * (النساء: 88) وكان ذلك استفهاما على سبيل الانكار قرر ذلك الاستبعاد بأن قال: انهم بلغوا في الكفر إلى أنهم يتمنون أن تصيروا أيها المسلمون كفارا، فلما بلغوا في تعصبهم في الكفر إلى هذا الحد فكيف تطمعون في ايمانهم. المسألة الثانية: قوله: * (فتكونون سواء) * رفع بالنسق على * (تكفرون) * والمعنى: ودوا لو