الفاجر الفاسق. وخامسها: أن أعمال الأمراء والسلاطين موقوفة على فتاوي العلماء، والعلماء في الحقيقة أمراء الأمراء، فكان حمل لفظ أولي الأمر عليهم أولى، وأما حمل الآية على الأئمة المعصومين على ما تقوله الروافض ففي غاية البعد لوجوه: أحدها: ما ذكرناه أن طاعتهم مشروطة بمعرفتهم وقدرة الوصول إليهم، فلو أوجب علينا طاعتهم قبل معرفتهم كان هذا تكليف ما لا يطاق، ولو أوجب علينا طاعتهم إذا صرنا عارفين بهم وبمذاهبهم صار هذا الايجاب مشروطا، وظاهر قوله: * (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) * يقتضي الاطلاق، وأيضا ففي الآية ما يدفع هذا الاحتمال، وذلك لأنه تعالى أمر بطاعة الرسول وطاعة أولي الأمر في لفظة واحدة، وهو قوله: * (وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) * واللفظة الواحدة لا يجوز أن تكون مطلقة ومشروطة معا، فلما كانت هذه اللفظة مطلقة في حق الرسول وجب أن تكون مطلقة في حق أولي الأمر. الثاني: أنه تعالى أمر بطاعة أولي الأمر، وأولو الأمر جمع، وعندهم لا يكون في الزمان إلا إمام واحد، وحمل الجمع على الفرد خلاف الظاهر. وثالثها: أنه قال: * (فان تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول) * ولو كان المراد بأولي الأمر الامام المعصوم لوجب أن يقال: فان تنازعتم في شيء فردوه إلى الامام، فثبت أن الحق تفسير الآية بما ذكرناه.
المسألة الرابعة: اعلم أن قوله: * (فان تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول) * يدل عندنا على أن القياس حجة، والذي يدل على ذلك أن قوله: * (فان تنازعتم في شيء) * إما أن يكون المراد فان اختلفتم في شيء حكمه منصوص عليه في الكتاب أو السنة أو الاجماع، أو المراد فان اختلفتم في شيء حكمه غير منصوص عليه في شيء من هذه الثلاثة، والأول باطل لأن على ذلك التقدير وجب عليه طاعته فكان ذلك داخلا تحت قوله: * (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) * وحينئذ يصير قوله: * (فان تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول) * إعادة لعين ما مضى، وإنه غير جائز. وإذا بطل هذا القسم تعين الثاني وهو أن المراد: فان تنازعتم في شيء حكمه غير مذكور في الكتاب والسنة والاجماع، وإذا كان كذلك لم يكن المراد من قوله: * (فردوه إلى الله والرسول) * طلب حكمه من نصوص الكتاب والسنة. فوجب أن يكون المراد رد حكمه إلى الأحكام المنصوصة في الوقائع المشابهة له، وذلك هو القياس، فثبت أن الآية دالة على الأمر بالقياس.
فان قيل: لم لا يجوز أن يكون المراد بقوله: * (فردوه إلى الله والرسول) * أي فوضوا علمه إلى الله واسكتوا عنه ولا تتعرضوا له؟ وأيضا فلم لا يجوز ان يكون المراد فردوا غير المنصوص إلى المنصوص في أنه لا يحكم فيه إلا بالنص؟ وأيضا لم يجوز أن يكون المراد فردوا هذه الأحكام