صعيدا طيبا) * أي اقصدوا أرضا، فوجب أن يكون هذا القدر كافيا. وأما الشافعي فإنه احتج بوجهين الأول: أن هذه الآية ههنا مطلقة، ولكنها في سورة المائدة مقيدة، وهي قوله سبحانه: * (فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه) * وكلمة " من " للتبعيض، وهذا لا يتأتى في الصخر الذي لا تراب عليه. فان قيل: إن كلمة " من " لابتداء الغاية، قال صاحب " الكشاف ": لا يفهم أحد من العرب من قول القائل: مسحت برأسه من الدهن ومن الماء ومن التراب: إلا معنى التبعيض، ثم قال: والاذعان للحق أحق من المراء. الثاني: ما ذكره الواحدي رحمه الله، وهو أنه تعالى أوجب في هذه الآية كون الصعيد طيبا، والأرض الطيبة هي التي تنبت بدليل قوله: * (والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه) * (الأعراف: 58) فوجب في التي لا تنبت أن لا تكون طيبة، فكان قوله: * (فتيمموا صعيدا طيبا) * أمرا بالتيمم بالتراب فقط، وظاهر الأمر للوجوب. أن قوله: * (صعيدا طيبا) * أمر بايقاع التيمم بالصعيد الطيب، والصعيد الطيب هو الأرض التي لا سبخة فيها، ولا شك أن التيمم بهذا التراب جائز بالاجماع، فوجب حمل الصعيد الطيب عليه رعاية لقاعدة الاحتياط، لا سيما وقد خصص النبي عليه الصلاة والسلام التراب بهذه الصفة، فقال: " جعلت لي الأرض مسجدا وترابها طهورا " وقال: " التراب طهور المسلم إذا لم يجد الماء ".
المسألة الثالثة: قوله تعالى: * (فامسحوا بوجوهكم وأيديكم) * محمول عند كثير من المفسرين على الوجه واليدين إلى الكوعين، وعند أكثر الفقهاء يجب مسح اليدين إلى المرفقين، وحجتهم أن اسم اليد يتناول جملة هذا العضو إلى الإبطين، إلا أنا أخرجنا المرفقين منه بدلالة الاجماع، فبقي اللفظ متناولا للباقي. ثم ختم تعالى الآية بقوله: * (إن الله كان عفوا غفورا) * وهو كناية عن الترخيص، والتيسير، لأن من كان من عادته أنه يعفور عن المذنبين، فبأن يرخص للعاجزين كان أولى.
قوله تعالى * (والله أعلم بأعدائكم وكفى بالله وليا وكفى بالله نصيرا) *.