وابن مسعود وابن عباس وجابر وأنس: إنها إذا بيعت طلقت. حجة الجمهور: أن عائشة لما اشترت بريرة وأعتقتها خيرها النبي صلى الله عليه وسلم وكانت مزوجة، ولو وقع الطلاق بالبيع لما كان لذلك التخيير فائدة. ومنهم من روى في قصة بريرة أنه عليه الصلاة والسلام قال: " بيع الأمة طلاقها " وحجة أبي كعب / وابن مسعود عموم الاستثناء في قوله: * (إلا ما ملكت أيمانكم) * وحاصل الجواب عنه يرجع إلى تخصيص عموم القرآن بخبر الواحد والله أعلم. ثم إنه تعالى ختم ذكر المحرمات بقوله: * (كتاب الله عليكم) * وفيه وجهان: الأول: أنه مصدر مؤكد من غير لفظ الفعل فان قوله: * (حرمت عليكم) * يدل على معنى الكتبة فالتقدير: كتب عليكم تحريم ما تقدم ذكره من المحرمات كتابا من الله، ومجئ المصدر من غير لفظ الفعل كثير نظيره * (وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب صنع الله) * (النمل: 88) الثاني: قال الزجاج: ويجوز أن يكون منصوبا على جهة الأمر، ويكون " عليكم " مفسرا له فيكون المعنى: الزموا كتاب الله.
ثم قال: * (وأحل لكم ما وراء ذلكم) * وفيه مسائل:
المسألة الأولى: قرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم * (وأحل لكم) * على ما لم يسم فاعله عطفا على قوله: * (حرمت عليكم) * والباقون بفتح الألف والحاء عطفا على * (كتاب الله) * يعني كتب الله عليكم تحريم هذه الأشياء وأحل لكم ما وراءها.
المسألة الثانية: اعلم أن ظاهر قوله تعالى: * (وأحل لكم ما وراء ذلكم) * يقتضي حل كل من سوى الأصناف المذكورة. إلا أنه دل الدليل على تحريم أصناف أخر سوى هؤلاء المذكورين ونحن نذكرها.
الصنف الأول: لا يجمع بين المرأة وبين عمتها وخالتها، قال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها " وهذا خبر مشهور مستفيض، وربما قيل: إنه بلغ مبلغ التواتر، وزعم الخوارج أن هذا خبر واحد، وتخصيص عموم القرآن بخبر الواحد لا يجوز، واحتجوا عليه بوجوه: الأول: أن عموم الكتاب مقطوع المتن ظاهر الدلالة، وخبر الواحد مظنون المتن ظاهر الدلالة، فكان خبر الواحد أضعف من عموم القرآن، فترجيحه عليه بمقتضى تقديم الأضعف على الأقوى وإنه لا يجوز. الثاني: من جملة الأحاديث المشهورة خبر معاذ، وإنه يمنع من تقديم خبر الواحد على عموم القرآن من وجهين لأنه قال: بم تحكم؟ قال بكتاب الله، قال : فان لم تجد قال: بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقدم التمسك بكتاب الله على التمسك بالسنة، وهذا يمنع من تقديم السنة على الكتاب، وأيضا فإنه قال: فان لم تجد قال: بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، علق جواز التمسك بالسنة على عدم الكتاب بكلمة " إن " وهي للاشتراط، والمعلق على الشرط عدم عند عدم الشرط. الثالث: أن من الأحاديث المشهورة قوله عليه الصلاة والسلام: " إذا روي لكم عني حديث فاعرضوه على كتاب الله فان وافقه فاقبلوه وإلا فردوه " فهذا الخبر يقتضي أن لا يقبل خبر الواحد