بسم الله الرحمن الرحيم * (إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليما حكيما) *.
اعلم أنه تعالى لما ذكر في الآية الأولى أن المرتكبين للفاحشة إذا تابا وأصلحا زال الأذى عنهما، وأخبر على الاطلاق أيضا أنه تواب رحيم، ذكر وقت التوبة وشرطها، ورغبهم في تعجيلها لئلا يأتيهم الموت وهم مصرون فلا تنفعهم التوبة، وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى: أما حقيقة التوبة فقد ذكرناها في سورة البقرة في تفسير قوله تعالى: * (فتاب عليكم انه هو التواب الرحيم) * البقرة: 54) واحتج القاضي على أنه يجب على الله عقلا قبول التوبة بهذه الآية من وجهين: الأول: ان كلمة " على " للوجوب فقوله: * (إنما التوبة على الله للذين) * يدل على أنه يجب على الله عقلا قبولها. الثاني: لو حملنا قوله: * (إنما التوبة على على الله) * على مجرد القبول لم يبق بينه وبين قوله: * (فأولئك يتوب الله عليهم) * فرق لأن هذا أيضا إخبار عن الوقوع، أما إذا حملنا ذلك على وجوب القبول وهذا على الوقوع يظهر الفرق بين الآيتين ولا يلزم التكرار.
واعلم أن القول بالوجوب على الله باطل، ويدل عليه وجوه: الأول: أن لازمة الوجوب استحقاق الذم عند الترك، فهذه اللازمة اما أن تكون ممتنعة الثبوت في حق الله تعالى، أو غير ممتنعة في حقه، والأول باطل، لأن ترك ذلك الواجب لما كان مستلزما لهذا الذم، وهذا الذم محال الثبوت في حق الله تعالى، وجب أن يكون ذلك الترك ممتنع الثبوت في حق الله، وإذا كان الترك ممتنع الثبوت عقلا كان الفعل واجب الثبوت، فحينئذ يكون الله تعالى موجبا بالذات لا فاعلا بالاختيار