معتبرا في جواز التيمم، فعند فقدان هذا الشرط وجب أن لا يجوز التيمم، وهو أيضا قول ابن عباس. وكان يقول: لو شاء الله لابتلاه بأشد من ذلك. ودليل الفقهاء أنه تعالى جوز التيمم للمريض إذا لم يجد الماء، وليس فيه دلالة على منعه من التيمم عند وجوده، ثم قد دلت السنة على جوازه، ويؤيده ما روي عن بعض الصحابة أنه أصابته جنابة كان به جراحة عظيمة، فسأل بعضهم فأمره بالاغتسال، فلما اغتسل مات، فسمع النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: قتلوه قتلهم الله، فدل ذلك على جواز ما ذكرناه.
السبب الثاني: السفر: والآية تدل على أن المسافر إذا لم يجد الماء تيمم، طال سفره أو قصر لهذه الآية.
السبب الثالث: قوله: * (أو جاء أحد منكم من الغائط) * والغائط المكان المطمئن من الأرض وجمعه الغيطان. وكان الرجل إذا أراد قضاء الحاجة طلب غائطا من الأرض يحجبه عن أعين الناس، ثم سمي الحدث بهذا الاسم تسمية للشيء باسم مكانه.
السبب الرابع: قوله: * (أو لامستم النساء) * وفيه مسائل:
المسألة الأولى: قرأ حمزة والكسائي: * (لمستم) * بغير ألف من اللمس، والباقون * (لامستم) * بالألف من الملامسة.
المسألة الثانية: اختلف المفسرون في اللمس المذكور ههنا على قولين: أحدهما: أن المراد به الجماع، وهو قول ابن عباس والحسن ومجاهد وقتادة، وقول أبي حنيفة رضي الله عنه، لأن اللمس باليد لا ينقض الطهارة. والثاني: أن المراد باللمس ههنا التقاء البشرتين، سواء كان بجماع أو غيره وهو قول ابن مسعود وابن عمر والشعبي والنخعي وقول الشافعي رضي الله عنه.
واعلم أن هذا القول أرجح من الأول، وذلك لأن إحدى القراءتين هي قوله تعالى: * (أو لمستم النساء) * واللمس حقيقته المس باليد، فأما تخصيصه بالجماع فذاك مجاز، والأصل حمل الكلام على حقيقته. وأما القراءة الثانية وهي قوله: * (أو لامستم) * فهو مفاعلة من اللمس، وذلك ليس حقيقة في الجماع أيضا، بل يجب حمله على حقيقته أيضا، لئلا يقع التناقض بين المفهوم من القراءتين المتواترتين واحتج من قال: المراد باللمس الجماع، بأن لفظ اللمس والمس وردا في القرآن بمعنى الجماع، قال تعالى: * (وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن) * (البقرة: 37) وقال في آية الظهار: * (فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا) * (المجادلة: 3) وعن ابن عباس أنه قال: إن الله حيي كريم يعف ويكني، فعبر عن المباشرة بالملامسة. وأيضا الحدث نوعان: الأصغر، وهو المراد بقوله: * (أو جاء أحد منكم من الغائط) * فلو حملنا قوله: * (أو لامستم النساء) *