العظيم فلا يكون من جنس ذلك الثواب، والظاهر أن ذلك التضعيف يكون من جنس اللذات الموعد بها في الجنة، وأما هذا الأجر العظيم الذي يؤتيه من لدنه، فهو اللذة الحاصلة عند الرؤية، وعند الاستغراق في المحبة والمعرفة، وإنما خص هذا النوع بقوله: * (من لدنه) * لأن هذا النوع من الغبطة والسعادة والبهجة والكمال، لا ينال بالأعمال الجسدانية، بل إنما ينال بما يودع الله في جوهر النفس القدسية من الاشراق والصفاء والنور، وبالجملة فذلك التضعيف إشارة إلى السعادة الجسمانية، وهذا الأجر العظيم إشارة إلى السعادة الروحانية.
* (فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا * يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الارض ولا يكتمون الله حديثا) *.
وجه النظم هو أنه تعالى بين أن في الآخرة لا يجري على أحد ظلم، وأنه تعالى يجازي المحسن على إحسانه ويزيده على قدر حقه، فبين تعالى في هذه الآية أن ذلك يجري بشهادة الرسل الذين جعلهم الله الحجة على الخلق، لتكون الحجة على المسئ أبلغ، والتبكيت له أعظم وحسرته أشد، ويكون سرور من قبل ذلك من الرسول وأظهر الطاعة أعظم، ويكون هذا وعيدا للكفار الذين قال الله فيهم: * (إن الله لا يظلم مثقال ذرة) * ووعدا للمطيعين الذين قال الله فيهم: * (وإن تك حسنة يضاعفها) * (النساء: 40) وفيه مسائل:
المسألة الأولى: روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لابن مسعود: " إقرأ القرآن علي " قال: فقلت يا رسول الله أنت الذي علمتنيه فقال: " أحب أن أسمعه من غيري " قال ابن مسعود: فافتتحت سورة النساء، فلما انتهيت إلى هذه الآية بكى الرسول صلى الله عليه وسلم، قال ابن مسعود فأمسكت عن القراءة. وذكر السدي أن أمة محمد صلى الله عليه وسلم يشهدون للرسل بالبلاغ، والرسول صلى الله عليه وسلم يشهد لأمته بالتصديق، فلهذا قال: * (جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا) * (البقرة: 143) وحكي عن عيسى عليه السلام أنه قال: * (وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم) * (المائدة: 117).