المنافقين في ابتداء الاسلام، ثم نسخ ذلك بقوله: * (جاهد الكفار والمنافقين) * (التوبة: 73، التحريم: 9) وهذا الكلام فيه نظر، لأن الأمر بالصفح مطلق فلا يفيد إلا المرة الواحدة، فورود الأمر بعد ذلك بالجهاد لا يكون ناسخا له.
قوله تعالى * (أفلا يتدبرون القرءان ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا) *.
اعلم أنه تعالى لما حكى عن المنافقين أنواع مكرهم وكيدهم، وكان كل ذلك لأجل أنهم ما كانوا يعتقدون كونه محقا في ادعاء الرسالة صادقا فيه، بل كانوا يعتقدون أنه مفتر متخرص، فلا جرم أمرهم الله تعالى بأن ينظروا ويتفكروا في الدلائل الدالة على صحة نبوته. فقال: * (أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا) * فاحتج تعالى بالقرآن على صحة نبوته وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى: التدبير والتدبر عبارة عن النظر في عواقب الأمور وأدبارها، ومنه قوله: إلام تدبروا أعجاز أمور قد ولت صدورها، ويقال في فصيح الكلام: لو استقبلت من أمري ما استدبرت، أي لو عرفت في صدر أمري ما عرفت من عاقبته.
المسألة الثانية: اعلم أن ظاهر الآية يدل على أنه تعالى احتج بالقرآن على صحة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، إذ لو تحمل الآية على ذلك لم يبق لها تعلق بما قبلها البتة، والعلماء قالوا: دلالة القرآن على صدق محمد صلى الله عليه وسلم من ثلاثة أوجه: أولها: فصاحته. وثانيها: اشتماله على الاخبار عن الغيوب. والثالث: سلامته عن الاختلاف، وهذا هو المذكور في هذه الآية، ثم القائلون بهذا القول ذكروا في تفسير سلامته عن الاختلاف ثلاثة أوجه: الأول: قال أبو بكر الأصم: معناه أن هؤلاء المنافقين كانوا يتواطئون في السر على أنواع كثيرة من المكر والكيد، والله تعالى كان يطلع الرسول عليه الصلاة والسلام على تلك الأحوال حالا فحالا: ويخبره عنها على سبيل التفصيل، وما كانوا يجدون في كل ذلك إلا الصدق، فقيل لهم: إن ذلك لو لم يحصل باخبار الله تعالى وإلا لما اطرد الصدق فيه، ولظهر في قول محمد أنواع الاختلاف والتفاوت، فلما لم يظهر ذلك علمنا أن ذلك ليس إلا باعلام الله تعالى، والثاني: وهو الذي ذهب إليه أكثر