في هذه المسألة فقال: مذهبه أنه لا عبارة للمرأة في عقد النكاح، فعلى هذا لا يجوز للمرأة أن تزوج أمتها، بل مذهبه أن توكل غيرها بتزويج أمتها. قال: وهذه الآية تبطل ذلك، لأن ظاهر هذه الآية يدل على الاكتفاء بحصول اذن أهلها، فمن قال لا يكفي ذلك كان تاركا لظاهر الآية.
والجواب من وجوه: الأول: أن المراد بالاذن الرضا. وعندنا أن رضا المولى لا بد منه، فأما أنه كاف فليس في الآية دليل عليه، وثانيها: أن أهلهن عبارة عمن يقدر على نكاحهن، وذلك إما المولى أن كان رجلا، أو ولي مولاها إن كان مولاها امرأة. وثالثها: هب أن الاهل عبارة عن المولى، لكنه عام يتناول الذكور والإناث، والدلائل الدالة على أن المرأة لا تنكح نفسها خاصة قال عليه الصلاة والسلام: " العاهر هي التي تنكح نفسها " فثبت بهذا الحديث أنه عبارة لها في نكاح نفسها، فوجب أن لا يكون لها عبارة في نكاح مملوكتها، ضرورة أنه لا قائل بالفرق والله أعلم.
ثم قال تعالى: * (وآتوهن أجورهن بالمعروف) * وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: في تفسير الآية قولان: الأول: ان المراد من الأجور: المهور، وعلى هذا التقدير فالآية تدل على وجوب مهرها إذا نكحها، سمي لها المهر أو لم يسم، لأنه تعالى لم يفرق بين من سمى، وبين من لم يسم في إيجاب المهر، ويدل على أنه قد أراد مهر لمثل قوله تعالى: * (بالمعروف) * (البقرة: 33) وهذا إنما يطلق فيما كان مبنيا على الاجتهاد وغالب الظن في المعتاد والمتعارف كقوله تعالى: * (وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف) * الثاني: قال القاضي: ان المراد من أجورهن النفقة عليهن، قال هذا القائل: وهذا أولى من الأول، لأن المهر مقدر، ولا معنى لاشتراط المعروف فيه، فكأنه تعالى بين أن كونها أمة لا يقدح في وجوب نفقتها وكفايتها كما في حق الحرة إذا حصلت التخلية من المولى بينه وبينها على العادة، ثم قال القاضي: اللفظ وان كان يحتمل ما ذكرناه فأكثر المفسرين يحملونه على المهر، وحملوا قوله: * (بالمعروف) * على ايصال المهر إليها على العادة الجميلة عند المطالبة من غير مطل وتأخير.
المسألة الثانية: نقل أبو بكر الرازي في أحكام القرآن عن بعض أصحاب مالك أن الأمة هي المستحقة لقبض مهرها، وان المولى إذا آجرها للخدمة كان المولى هو المستحق للأجر دونها وهؤلاء احتجوا في المهر بهذه الآية، وهو قوله: * (وآتوهن أجورهن) * وأما الجمهور فإنهم احتجوا على أن مهرها لمولاها بالنص والقياس، أما النص فقوله تعالى: * (ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شيء) * (النحل: 75) وهذا ينفي كون المملوك مالكا لشيء أصلا، وأما القياس فهو أن المهر وجب عوضا عن منافع البضع، وتلك المنافع مملوكة للسيد، وهو الذي أباحها للزوج بقيد النكاح، فوجب أن