والغرض منه التنبيه على أن الشفاعة المؤدية إلى سقوط الحق وقوة الباطل تكون عظيمة العقاب عند الله تعالى.
ثم قال تعالى: * (وكان الله على كل شيء مقيتا) * وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: في المقيت قولان: الأول: المقيت القادر على الشيء، وأنشدوا للزبير بن عبد المطلب. وذي ضغن كففت النفس عنه وكنت على إساءته مقيتا وقال آخر: ليت شعري وأشعرن إذا * ما قربوها منشورة ودعيت إلي الفضل أم علي إذا حوسبت * اني على الحساب مقيت وأنشد النضر بن شميل: تجلد ولا تجزع وكن ذا * حفيظة فاني على ما ساءهم لمقيت الثاني: المقيت مشتق من القوت، يقال: قت الرجل إذا حفظت عليه نفسه بما يقوته، واسم ذلك الشيء هو القوت، وهو الذي لا فضل له على قدر الحفظ، فالمقيت هو الحفيظ الذي يعطي الشيء على قدر الحاجة، ثم قال القفال رحمه الله: وأي المعنيين كان فالتأويل صحيح، وهو أنه تعالى قادر على إيصال النصيب والكفل من الجزاء إلى الشافع مثل ما يوصله إلى المشفوع فيه، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر، ولا ينتقص بسبب ما يصل إلى الشافع شيء من جزاء المشفوع، وعلى الوجه الثاني أنه تعالى حافظ الأشياء شاهد عليها لا يخفى عليه شيء من أحوالنا، فهو عالم بأن الشافع يشفع في حق أو في باطل حفيظ عليه فيجازى كلا بما علم منه. المسألة الثانية: انما قال: * (وكان الله على كل شيء مقيتا) * تنبيها على أن كونه تعالى قادرا على المقدورات صفة كانت ثابتة له من الأزل، وليست صفة محدثة، فقوله: * (كان) * مطلقا من غير أن قيد ذلك بأنه كان من وقت كذا أو حال كذا، يدل على أنه كان حاصلا من الأزل إلى الأبد.
قوله تعالى * (وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منهآ أو ردوهآ إن الله كان على كل شىء حسيبا) *.