أولا بدلالة المعجزة جاز له ذلك بخلاف غيره.
المسألة الثانية: قوله: * (بل الله يزكي من يشاء) * يدل على أن الايمان يحصل بخلق الله تعالى لأن أجل أنواع الزكاة والطهارة وأشرفها هو الايمان، فلما ذكر تعالى انه هو الذي يزكي من يشاء دل على أن ايمان المؤمنين لم يحصل إلا بخلق الله تعالى.
المسألة الثالثة: قوله: * (ولا يظلمون فتيلا) * هو كقوله: * (ان الله لا يظلم مثقال ذرة) * (النساء: 40) والمعنى ان الذين يزكون أنفسهم يعاقبون على تلك التزكية حق جزائهم من غير ظلم، أو يكون المعنى: أن الذين زكاهم الله فإنه يثيبهم على طاعاتهم ولا ينقص من ثوابهم شيئا، والفتيل ما فتلت بين إصبعيك من الوسخ، فعيل بمعنى مفعول، وعن ابن السكيت: الفتيل ما كان في شق النواة، والنقير النقطة التي في ظهر النواة، والقطمير القشرة الرقيقة على النواة، وهذه الأشياء كلها تضرب أمثالا للشيء التافه الحقير، أي لا يظلمون لا قليلا ولا كثيرا.
ثم قال تعالى: * (انظر كيف يفترون على الله الكذب) * وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: هذا تعجيب للنبي صلى الله عليه وسلم من فريتهم على الله، وهي تزكيتهم أنفسهم وافتراؤهم على الله، وهو قولهم: * (نحن أبناء الله وأحباؤه) * وقولهم: * (لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى) * وقولهم: ما عملناه بالنهار يكفر عنا بالليل.
المسألة الثانية: مذهبنا أن الخبر عن الشيء إذا كان على خلاف المخبر عنه كان كذبا، سواء علم قائله كونه كذلك أو لم يعلم، وقال الجاحظ: شرط كونه كذبا أن يعلم كونه بخلاف ذلك، وهذه الآية دليل لنا لأنهم كانوا يعتقدون في أنفسهم الزكاء والطهارة، ثم لما أخبروا بالزكاة والطهارة كذبهم الله فيه، وهذا يدل على ما قلناه.
ثم قال تعالى: * (وكفى به إثما مبينا) * وإنما يقال: كفى به في التعظيم على جهة المدح أو على جهة الذم، أما في المدح فكقوله: * (وكفى بالله وليا وكفى بالله نصيرا) * (النساء: 45) وأما في الذم فكما في هذا الموضع. وقوله: * (إثما مبينا) * منصوب على التمييز.
قوله تعالى * (ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون