واعلم أنا نقول: هذه الآية مخصوصة في موضعين: أحدهما: أن يكون القتل العمد غير عدوان كما في القصاص فإنه لا يحصل فيه هذا الوعيد البتة. والثاني: القتل العمد العدوان إذا تاب عنه فإنه لا يحصل فيه الوعيد، وإذا ثبت دخول التخصيص فيه في هاتين الصورتين فنحن نخصص هذا العموم فيما إذا حصل العفو بدليل قوله تعالى: * (ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) * (النساء: 48) وأيضا فهذه الآية إحدى عمومات الوعيد، وعمومات الوعد أكثر من عمومات الوعيد، وما ذكره في ترجيح عمومات الوعيد قد أجبنا عنه وبينا أن عمومات الوعد راجحة، وكل ذلك قد ذكرناه في سورة البقرة في تفسير قوله تعالى: * (بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) * (البقرة: 81) المسألة الثانية: نقل عن ابن عباس أنه قال: توبة من أقدم على القتل العمد العدوان غير مقبولة، وقال جمهور العلماء: إنها مقبولة، ويدل عليه وجوه:
الحجة الأولى: أن الكفر أعظم من هذا القتل فإذا قبلت التوبة عن الكفر فالتوبة من هذا القتل أولى بالقبول.
الحجة الثانية: قوله تعالى في آخر الفرقان: * (والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله الا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما * يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا * إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا) * (الفرقان: 68، 69، 70) وإذا كانت توبة الآتي بالقتل العمد مع سائر الكبائر المذكورة في هذه الآية مقبولة: فبأن تكون توبة الآتي بالقتل العمد وحده مقبولة كان أولى.
الحجة الثالثة: قوله: * (ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) * وعد بالعفو عن كل ما سوى الكفر، فبأن يعفو عنه بعد التوبة أولى والله أعلم.
تم الجزء العاشر، ويليه إن شاء الله تعالى الجزء الحادي عشر.