نكاح الأمة.
واعلم أن الحكمة في ذكر هذه الكلمة أن العرب كانوا يفتخرون بالأنساب، فأعلم في ذكر هذه الكلمة أن الله لا ينظر ويلتفت إليه. روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: " ثلاث من أمر الجاهلية: الطعن في الأنساب، والفخر بالأحساب، والاستسقاء بالأنواء، ولا يدعها الناس في الاسلام " وكان أهل الجاهلية يضعون من ابن الهجين، فذكر تعالى هذه الكلمة زجرا لهم عن أخلاق أهل الجاهلية.
ثم أنه تعالى شرح كيفية هذا النكاح فقال: * (فانكحوهن باذن أهلهن) * وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: اتفقوا على أن نكاح الأمة بدون إذن سيدها باطل، ويدل عليه القرآن والقياس. أما القرآن فهو هذه الآية فان قوله تعالى: * (فانكحوهن باذن أهلهن) * يقتضي كون الاذن شرطا في جواز النكاح، وان لم يكن النكاح واجبا. وهو كقوله عليه الصلاة والسلام: " من أسلم فليسلم في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم " فالسلم ليس بواجب، ولكنه إذا اختار أن يسلم فعليه استيفاء هذه الشرائط، كذلك النكاح وان لم يكن واجبا، لكنه إذا أراد أن يتزوج أمة، وجب أن لا يتزوجها إلا باذن سيدها. وأما القياس: فهو أن الأمة ملك للسيد، وبعد التزوج يبطل عليه أكثر منافعها، فوجب أن لا يجوز ذلك إلا باذنه. واعلم أن لفظ القرآن مقتصر على الأمة، وأما العبد فقد ثبت ذلك في حقه بالحديث عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا تزوج العبد بغير اذن السيد فهو عاهر ".
المسألة الثانية: قال الشافعي رضي الله عنه: المرأة البالغة العاقلة لا يصح نكاحها إلا باذن الولي. وقال أبو حنيفة رضي الله عنه: يصح، احتج الشافعي بهذه الآية، وتقريره أن الضمير في قوله: * (فانكحوهن باذن أهلهن) * عائد إلى الإماء، والأمة ذات موصوفة بصفة الرق، وصفة الرق صفة زائلة، والإشارة إلى الذات الموصوفة بصفة زائلة ذات موصوفة بصفة الرق، وصفة الرق صفة زائلة، والإشارة إلى الذات الموصوفة بصفة زائلة لا يتناول الإشارة إلى تلك الصفة، ألا ترى أنه لو حلف لا يتكلم مع هذا الشاب فصار شيخا ثم تكلم معه يحنث في يمينه، فثبت أن الإشارة إلى الذات الموصوفة بصفة عرضية زائلة، باقية بعد زوال تلك الصفة العرضية، وإذا ثبت هذا فنقول: قوله: * (فانكحوهن باذن أهلهن) * إشارة إلى الإماء، فهذه الإشارة وجب أن تكون باقية حال زوال الرق عنهن، وحصول صفة الحرية لهن، وإذا كان كذلك فالحرة البالغة العاقلة في هذه الصورة يتوقف جواز نكاحها على إذن وليها، وإذا ثبت ذلك في هذه الصورة وجب ثبوت هذا الحكم في سائر الصور؛ ضرورة أنه لا قائل بالفرق. احتج أبو بكر الرازي بهذه الآية على فساد قول الشافعي