ولا الذين يموتون وهم كفار) * فعطف الذين يعملون السيئات على الذين يموتون وهم كفار، والمعطوف مغاير للمعطوف عليه، فثبت أن الطائفة الأولى ليسوا من الكفار، ثم إنه تعالى قال في حق الكل: * (أولئك أعتدنا لهم عذابا أليما) * فهذا يقتضي شمول هذا الوعيد للكفار والفساق. الثاني: أنه تعالى أخبر أنه لا توبة لهم عند المعاينة، فلو كان يغفر لهم مع ترك التوبة لم يكن لهذا الاعلام معنى.
والجواب: أنا قد جمعنا جملة العمومات الوعيدية في سورة البقرة في تفسير قوله تعالى: * (بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) * (البقرة: 81) وأجبنا عن تمسكهم بها وذكرنا وجوها كثيرة من الأجوبة، ولا حاجة إلى إعادتها في كل واحد من هذه العمومات، ثم نقول الضمير يجب أن يعود إلى أقرب المذكورات، وأقرب المذكورات من قوله: * (أولئك أعتدنا لهم عذابا أليما) * هو قوله: * (ولا الذين يموتون وهم كفار) * فلم لا يجوز أن يكون قوله: * (أعتدنا لهم عذابا أليما) * عائدا إلى الكفار فقط، وتحقيق الكلام فيه أنه تعالى أخبر عن الذين لا يتوبون إلا عند الموت أن توبتهم غير مقبولة، ثم ذكر الكافرين بعد ذلك، فبين أن ايمانهم عند الموت غير مقبول، ولا شك أن الكافر أقبح فعلا وأخس درجة عند الله من الفاسق، فلا بد وأن يخصه بمزيد إذلال وإهانة فجاز أن يكون قوله: * (أولئك أعتدنا لهم عذابا أليما) * مختصا بالكافرين، بيانا لكونهم مختصين بسبب كفرهم بمزيد العقوبة والإذلال.
أما الوجه الثاني: مما عولوا عليه: فهو أنه أخبر أنه لا توبة عند المعاينة، وإذا كان لا توبة حصل هناك تجويز العقاب وتجويز المغفرة، وهذا لا يخلو عن نوع تخويف وهو كقوله: * (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) * (النساء: 48) على أن هذا تمسك بدليل الخطاب، والمعتزلة لا يقولون به والله أعلم.
المسألة الخامسة: أنه تعالى عطف على الذين يتوبون عند مشاهدة الموت، الكفار، والمعطوف مغاير للمعطوف عليه، فهذا يقتضي أن الفاسق من أهل الصلاة ليس بكافر، ويبطل به قول الخوارج: إن الفاسق كافر، ولا يمكن أن يقال: المراد منه المنافق لأن الصحيح أن المنافق كافر، قال تعالى: * (والله يشهد إن المنافقين لكاذبون) * (المنافقون: 1) والله أعلم.
المسألة السادسة: أعتدنا: أي أعددنا وهيأنا، ونظيره قوله تعالى في صفة نار جهنم: * (أعدت للكافرين) * (البقرة: 24، آل عمران: 131) احتج أصحابنا بهذه الآية على أن النار مخلوقة لأن العذاب الأليم ليس إلا نار جهنم وبرده، وقوله: * (أعتدنا) * إخبار عن الماضي، فهذا يدل على كون النار مخلوقة من هذا الوجه والله أعلم.