الحجة الثانية: قوله تعالى: * (وكل صغير وكبير مستطر) * (القمر: 53) وقوله: * (لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها) * (الكهف: 49).
الحجة الثالثة: ان الرسول عليه الصلاة والسلام نص على ذنوب بأعيانها أنها كبائر، كقوله: * (الكبائر: الاشراك بالله واليمين الغموس وعقوق الوالدين وقتل النفس) * وذلك يدل على أن منها ما ليس من الكبائر.
الحجة الرابعة: قوله تعالى: * (وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان) * (الحجرات: 7) وهذا صريح في أن المنهيات أقسام ثلاثة: أولها: الكفر، وثانيها: الفسوق. وثالثها: العصيان، فلا بد من فرق بين الفسوق وبين العصيان ليصح العطف، وما ذاك إلا لما ذكرنا من الفرق بين الصغائر وبين الكبائر، فالكبائر هي الفسوق، والصغائر هي العصيان. واحتج ابن عباس بوجهين: أحدهما: كثرة نعم من عصى. والثاني: إجلال من عصى، فان اعتبرنا الأول فنعم الله غير متناهية، كما قال: * (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها) * (النحل: 18) وان اعتبرنا الثاني فهو أجل الموجودات وأعظمها، وعلى التقديرين وجب أن يكون عصيانه في غاية الكبر، فثبت أن كل ذنب فهو كبيرة. والجواب من وجهين: الأول: كما أنه تعالى أجل الموجودات وأشرفها، فكذلك هو أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين، وأغنى الأغنياء عن طاعات المطيعين وعن ذنوب المذنبين، وكل ذلك يوجب خفة الذنب. الثاني: هب أن الذنوب كلها كبيرة من حيث أنها ذنوب، ولكن بعضها أكبر من بعض، وذلك يوجب التفاوت. إذا ثبت أن الذنوب على قسمين بعضها صغائر وبعضها كبائر، فالقائلون بذلك فريقان: منهم من قال: الكبيرة تتميز عن الصغيرة في نفسها وذاتها، ومنهم من قال: هذا الامتياز إنما يحصل لا في ذواتها، بل بحسب حال فاعليها، ونحن نشرح كل واحد من هذين القولين.
أما القول الأول: فالذاهبون إليه والقائلون به اختلفوا اختلافا شديدا، ونحن نشير إلى بعضها، فالأول: قال ابن عباس: كل ما جاء في القرآن مقرونا بذكر الوعيد فهو كبيرة، نحو قتل النفس المحرمة وقذف المحصنة والزنا والربا وأكل مال اليتيم والفرار من الزحف. الثاني: قال ابن مسعود: افتتحوا سورة النساء، فكل شيء نهى الله عنه حتى ثلاث وثلاثين آية فهو كبيرة، ثم قال: مصداق ذلك: * (إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه) * (النساء: 31) الثالث: قال قوم: كل عمد فهو كبيرة. واعلم أن هذه الأقوال ضعيفة.
أما الأول: فلأن كل ذنب لا بد وأن يكون متعلق الذم في العاجل والعقاب في الآجل،