الشرط الثاني: قوله: * (ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت) * قال الزجاج: لا تضيق صدورهم من أفضيتك.
واعلم أن الراضي بحكم الرسول عليه الصلاة والسلام قد يكون راضيا به في الظاهر دون القلب فبين في هذه الآية انه لا بد من حصول الرضا به في القلب، واعلم أن ميل القلب ونفرته شيء خارج عن وسع البشر، فليس المراد من الآية ذلك، بل المراد منه أن يحصل الجزم واليقين في القلب بأن الذي يحكم به الرسول هو الحق والصدق.
الشرط الثالث: قوله تعالى: * (ويسلموا تسليما) * واعلم أن من عرف بقلبه كون ذلك الحكم حقا وصدقا قد يتمرد عن قبوله على سبيل العناد أو يتوقف في ذلك القبول، فبين تعالى أنه كما لا بد في الايمان من حصول ذلك اليقين في القلب. فلا بد أيضا من التسليم معه في الظاهر، فقوله: * (ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت) * المراد به الانقياد في الباطن، وقوله: * (ويسلموا تسليما) * المراد منه الانقياد في الظاهر والله أعلم.
المسألة الخامسة: دلت الآية على أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام معصومون عن الخطأ في الفتوى وفي الأحكام، لأنه تعالى أوجب الانقياد لحكمهم وبالغ في ذلك الايجاب وبين انه لا بد من حصول ذلك الانقياد في الظاهر وفي القلب، وذلك ينفي صدور الخطأ عنهم، فهذا يدل على أن قوله: * (عفا الله عنك لم أذنت لهم) * (التوبة: 43) وأن فتواه في أسارى بدر، وأن قوله: * (لم تحرم ما أحل الله لك) * (التحريم: 1) وأن قوله: * (عبس وتولى) * (عبس: 1) كل ذلك محمول على الوجوه التي لخصناها في هذا الكتاب.
المسألة السادسة: من الفقهاء من تمسك بقوله تعالى: * (ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت) * على أن ظاهر الأمر للوجوب، وهو ضعيف لأن القضاء هو الالزام، ولا نزاع في أنه للوجوب.
المسألة السابعة: ظاهر الآية يدل على أنه لا يجوز تخصيص النص بالقياس، لأنه يدل على أنه يجب متابعة قوله وحكمه على الاطلاق، وانه لا يجوز العدول عنه إلى غيره، ومثل هذه المبالغة المذكورة في هذه الآية قلما يوجد في شيء من التكاليف، وذلك يوجب تقديم عموم القرآن والخبر على حكم القياس، وقوله: * (ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت) * مشعر بذلك لأنه متى خطر بباله قياس يفضي إلى نقيض مدلول النص فهناك يحصل الحرج في النفس، فبين تعالى أنه لا يكمل إيمانه إلا بعد أن لا يلتفت إلى ذلك الحرج، ويسلم النص تسليما كليا، وهذا الكلام قوي حسن لمن أنصف. المسألة الثامنة: قالت المعتزلة: لو كانت الطاعات والمعاصي بقضاء الله تعالى لزم التناقض،