مدة مائة سنة. وقال أصحابنا: هذا باطل؛ لأنا نعلم بالضرورة أن ثواب كل تلك الطاعات العظيمة تلك السنن المتطاولة، أزيد من عقاب شرب هذه القطرة، فاسقاط ذلك الثواب العظيم بعقاب هذا القدر من المعصية ظلم، وإنه منفي بهذه الآية.
المسألة السادسة: قال الجبائي: إن عقاب الكبيرة يحبط ثواب جملة الطاعات، ولا ينحبط من ذلك العقاب شيء. وقال ابنه أبو هاشم: بل ينحبط. واعلم أن هذا المشروع صار حجة قوية لأصحابنا في بطلان القول بالاحباط فانا نقول: لو انحبط ذلك الثواب لكان إما أن يحبط مثله من العقاب أولا يحبط، والقسمان باطلان. فالقول بالاحباط باطل. إنما قلنا إنه لا يجوز انحباط كل واحد منهما بالآخر، لأنه إذا كان سبب عدم كل واحد منهما وجود الآخر، فلو حصل العدمان معا لحصل الوجدان معا، ضرورة أن العلة لا بد وأن تكون حاصلة مع المعلول، وذلك محال. وإنما قلنا: إنه لا يجوز انحباط الطاعة بالمعصية مع أن المعصية لا تنحبط بالطاعة، لأن تلك الطاعات لم ينتفع العبد بها البتة، لا في جلب ثواب، ولا في دفع عقاب وذلك ظلم، وهو ينافي قوله تعالى: * (إن الله لا يظلم مثقال ذرة) * ولما بطل القسمان ثبت القول بفساد الاحباط على ما تقوله المعتزلة.
المسألة السابعة: احتج أصحابنا بهذه الآية على أن المؤمنين يخرجون من النار إلى الجنة، فقالوا: لا شك أن ثواب الايمان، والمداومة على التوحيد، والاقرار بأنه هو الموصول بصفات الجلال والاكرام، والمواظبة على وضع الجبين على تراب العبودية مائة سنة: أعظم ثوابا من عقاب شرب الجرعة من الخمر، فإذا حضر هذا الشارب يوم القيامة وأسقط عنه قدر عقاب هذا المعصية من ذلك الثواب العظيم فضل له من الثواب قدر عظيم، فإذا أدخل النار بسبب ذلك القدر من العقاب، فلو بقي هناك لكان ذلك ظلما وهو باطل، فوجب القطع بأنه يخرج إلى الجنة.
النوع الثاني: من الأمور التي اشتملت عليها هذه الآية:
قوله تعالى: * (وإن تك حسنة يضاعفها) * وفيه مسائل:
المسألة الأولى: قرأ نافع وابن كثير * (حسنة) * بالرفع على تقديره " كان " التامة، والمعنى: وإن حدثت حسنة، أو وقعت حسنة، والباقون بالنصب على تقدير " كان " الناقصة والتقدير: وإن تك زنة الذرة حسنة. وقرأ ابن كثير وابن عامر * (يضعفها) * بالتشديد من غير ألف من التضعيف، والباقون * (يضاعفها) * بالألف والتخفيف من المضاعفة.
المسألة الثانية: تك: أصله من " كان يكون " وأصله " تكون " سقطت الضمة للجزم، وسقطت الواو لسكونها وسكون النون فصار " تكن " ثم حذفوا النون أيضا لأنها ساكنة. وهي