وذلك لأن الرسول إذا قضى على إنسان بأنه ليس له أن يفعل الفعل الفلاني وجب على جميع المكلفين الرضا بذلك لأنه قضاء الرسول. والرضا بقضاء الرسول واجب لدلالة هذه الآية، ثم لو أن ذلك الرجل فعل ذلك الفعل على خلاف فتوى الرسول، فلو كانت المعاصي بقضاء الله لكان ذلك الفعل بقضاء الله، والرضا بقضاء الله واجب، فيلزم أن يجب على المكلفين الرضا بذلك الفعل. لأنه قضاء الله، فوجب أن يلزمهم الرضا بالفعل والترك معا، وذلك محال.
والجواب: أن المراد من قضاء الرسول الفتوى المشروعة، والمراد من قضاء الله التكوين والايجاد، وهما مفهومان متغايران، فالجمع بينهما لا يفضي إلى التناقض.
قوله تعالى * (ولو أنا كتبنا عليهم أن قتلوا أنفسكم أو خرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليل منهم ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا * وإذا لاتيناهم من لدنآ أجرا عظيما * ولهديناهم صراطا مستقيما) *.
اعلم أن هذه الآية متصلة بما تقدم من أمر المنافقين وترغيبهم في الاخلاص وترك النفاق، والمعنى أنا لو شددنا التكليف على الناس، نحو أن نأمرهم بالقتل والخروج عن الأوطان لصعب ذلك عليهم ولما فعله إلا الأقلون، وحينئذ يظهر كفرهم وعنادهم، فلما لم نفعل ذلك رحمة منا على عبادنا بل اكتفينا بتكليفهم في الأمور السهلة، فليقبلوها بالاخلاص وليتركوا التمرد والعناد حتى ينالوا خير الدارين، وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى: قرأ ابن كثير ونافع وابن عامر والكسائي: * (أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم) * بضم النون في " أن " وضم واو " أو " والسبب فيه نقل ضمة * (اقتلوا) * وضمة * (اخرجوا) * إليهما، وقرأ عاصم وحمزة بالكسر فيهما لالتقاء الساكنين، وقرأ أبو عمرو بكسر النون وضم الواو، وقال الزجاج: ولست أعرف لفصل أبي عمرو بين هذين الحرفين خاصية إلا أن يكون رواية. وقال غيره: أما كسر النون فلأن الكسر هو الأصل لالتقاء الساكنين، وأما ضم الواو فلأن الضمة