قلنا: إنما جعل أولي الأمر منهم على حسب الظاهر، لأن المنافقين يظهرون من أنفسهم أنهم يؤمنون، ونظيره قوله تعالى: * (وإن منكم لمن ليبطئن) * وقوله: * (ما فعلوه إلا قليل منهم) * والله أعلم. المسألة الرابعة: دلت هذه الآية على أن القياس حجة في الشرع، وذلك لأن قوله: * (الذين يستنبطونه منهم) * صفة لأولي الأمر، وقد أوجب الله تعالى على الذين يجيئهم أمر من الأمن أو الخوف أن يرجعوا في معرفته إليهم، ولا يخلوا إما أن يرجعوا إليهم في معرفة هذه الوقائع مع حصول النص فيها، أولا مع حصول النص فيها، والأول باطل، لأن على هذا التقدير لا يبقى الاستنباط لأن من روى النص في واقعة لا يقال: إنه استنبط الحكم، فثبت أن الله أمر المكلف برد الواقعة إلى من يستنبط الحكم فيها، ولولا أن الاستنباط حجة لما أمر المكلف بذلك، فثبت أن الاستنباط حجة، والقياس إما استنباط أو داخل فيه، فوجب أن يكون حجة. إذا ثبت هذا فنقول: الآية دالة على أمور: أحدها: أن في أحكام الحوادث ما لا يعرف بالنص بل بالاستنباط. وثانيها: أن الاستنباط حجة: وثالثها: أن العامي يجب عليه تقليد العلماء في أحكام الحوادث. ورابعها: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مكلفا باستنباط الأحكام لأنه تعالى أمر بالرد إلى الرسول وإلى أولي الأمر.
ثم قال تعالى: * (لعلمه الذين يستنبطونه منهم) * ولم يخصص أولي الأمر بذلك دون الرسول وذلك يوجب أن الرسول وأولي الأمر كلهم مكلفون بالاستنباط.
فان قيل: لا نسلم أن المراد بقوله: * (الذين يستنبطونه منهم) * هم أولوا الأمر، بل المراد منهم المنافقون المذيعون على ما رويتم هذا القول في تفسير الآية، سلمنا أن المراد بالذين يستنبطونه منهم أولو الأمر لكن هذه الآية إنما نزلت في شأن الوقائع المتعلقة بالحروب والجهاد، فهب أن الرجوع إلى الاستنباط جائز فيها، فلم قلتم إنه يلزم جوازه في الوقائع الشرعية؟ فان قيس أحد البابين على الآخر كان ذلك إثباتا للقياس الشرعي بالقياس الشرعي وإنه لا يجوز، سلمنا أن الاستنباط في الأحكام الشرعية داخل تحت الآية. فلم قلتم: إنه يلزم أيكون القياس حجة؟ بيانه أنه يمكن أن يكون المراد من الاستنباط استخراج الأحكام من النصوص الخفية أو من تركيبات النصوص، أو المراد من استخراج الأحكام من البراءة الأصلية، أو مما ثبت بحكم العقل كما يقول الأكثرون: ان الأصل في المنافع الإباحة، وفي المضار الحرمة، سلمنا أن القياس من الشرعي داخل في الآية، لكن بشرط أن يكون ذلك القياس مفيدا للعلم بدليل قوله تعالى: * (لعلمه الذين يستنبطونه منهم) * فأخبر تعالى في هذه الآية أنه يحصل العلم