قوله تعالى * (ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم ءامنوا بمآ أنزل إليك ومآ أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا * وإذا قيل لهم تعالوا إلى مآ أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا) *.
اعلم أنه تعالى لما أوجب في الآية الأولى على جميع المكلفين أن يطيعوا الله ويطيعوا الرسول ذكر في هذه الآية أن المنافقين والذين في قلوبهم مرض لا يطيعون الرسول ولا يرضون بحكمه، وانما يريدون حكم غيره، وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى: الزعم والزعم لغتان، ولا يستعملان في الأكثر الا في القول الذي لا يتحقق. قال الليث: أهل العربية يقولون زعم فلان إذا شكوا فيه فلم يعرفوا أكذب أو صدق، فكذلك تفسير قوله: * (هذا لله بزعمهم) * أي بقولهم الكذب. قال الأصمعي: الزعوم من الغنم التي لا يعرفون أبها شحم أم لا، وقال ابن الأعرابي: الزعم يستعمل في الحق، وأنشد لأمية بن الصلتواني أدين لكم أنه سينجزكم ربكم ما زعم إذا عرفت هذا فنقول: الذي في هذه الآية المراد به الكذب، لأن الآية نزلت في المنافقين.
المسألة الثانية: ذكروا في أسباب النزول وجوها: الأول: قال كثير من المفسرين: نازع رجل من المنافقين رجلا من اليهود فقال اليهودي: بيني وبينك أبو القاسم، وقال المنافق: بيني وبينك كعب بن الأشرف، والسبب في ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقضي بالحق ولا يلتفت إلى الرشوة، وكعب بن الأشرف كان يريد الرغبة في الرشوة، واليهودي كان محقا، والمنافق كان مبطلا، فلهذا المعنى كان اليهودي يريد التحاكم إلى الرسول، والمنافق كان يريد كعب بن الأشرف، ثم أصر اليهودي على قوله، فذهبا إليه صلى الله عليه وسلم، فحكم الرسول عليه الصلاة والسلام لليهودي