المسألة الثانية: قالت المعتزلة: الآية تدل على أنهم يستحقون على طاعتهم الثواب، وإلا لما تحقق نفي الظلم، وتدل على أنه تعالى يصح منه الظلم وإن كنا نقطع بأنه لا يفعل، وإلا لما صح التمدح به.
المسألة الثالثة: قوله: * (ولا تظلمون فتيلا) * أي لا ينقصون من ثواب أعمالهم مثل فتيل النواة وهو ما تفتله بيدك ثم تلقيه احتقارا. وقد مضى الكلام فيه.
قوله تعالى * (أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم فى بروج مشيدة وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك قل كل من عند الله فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا) *.
والمقصود من هذا الكلام تبكيت من حكى عنهم أنهم عند فرض القتال يخشون الناس كخشية الله أو أشد خشية وقالوا ربنا لم كتبت علينا القتال، فقال تعالى: * (أينما تكونوا يدرككم الموت) * فبين تعالى أنه لا خلاص لهم من الموت، والجهاد موت مستعقب لسعادة الآخرة، فإذا كان لا بد من الموت، فبأن يقع على وجه يكون مستعقبا للسعادة الأبدية كان أولى من أن لا يكون كذلك، ونظير هذه الآية قوله: * (قل لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت أو القتل وإذا لا تمتعون إلا قليلا) * (الأحزاب: 16) والبروج في كلام العرب هي القصور والحصون، وأصلها في اللغة من الظهور، يقال: تبرجت المرأة، إذا أظهرت محاسنها، والمشيدة المرتفعة، وقرئ * (مشيدة) * قال صاحب " الكشاف ": من شاد إذا رفعه أو طلاه بالشيد وهو الجص، وقرأ نعيم بن ميسرة بكسر الياء وصفا لها بفعل فاعلها مجازا، كما قالوا: قصيدة شاعرة، وإنما الشاعر قائلها.
قوله تعالى: * (وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك قل كل من عند الله فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا) *.
اعلم أنه تعالى لما حكى عن المنافقين كونهم متثاقلين عن الجهاد خائفين من الموت غير راغبين