قوله تعالى * (إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم نارا كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب إن الله كان عزيزا حكيما) *.
اعلم أنه تعالى بعدما ذكر الوعيد بالطائفة الخاصة من أهل الكتاب بين ما يعم الكافرين من الوعيد فقال: * (إن الذين كفروا بآياتنا) * وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى: يدخل في الآيات كل ما يدل على ذات الله وأفعاله وصفاته وأسمائه والملائكة والكتب والرسل، وكفرهم بالآيات ليس يكون بالجحد، لكن بوجوه، منها أن ينكروا كونها آيات، ومنها أن يغفلوا عنها فلا ينظروا فيها. ومنها أن يلقوا الشكوك والشبهات فيها. ومنها: أن ينكروها مع العلم بها على سبيل العناد والحسد، وأما حد الكفر وحقيقته فقد ذكرناه في سورة البقرة في تفسير قوله تعالى: * (ان الذين كفروا سواء عليهم) * (البقرة: 6).
المسألة الثانية: قال سيبويه: " سوف " كلمة تذكر للتهديد والوعيد، يقال: سوف أفعل، وينوب عنها حرف السين كقوله: * (سأصليه سقر) * وقد ترد كلمة " سوف " في الوعد أيضا قال تعالى: * (ولسوف يعطيك ربك فترضى) * وقال: * (سوف أستغفر لكم ربي) * قيل أخره إلى وقت السحر تحقيقا للدعاء، وبالجملة فكلمة " السين " و " سوف " مخصوصتان بالاستقبال.
المسألة الثالثة: قوله: * (نصليهم) * أي ندخلهم النار، لكن قوله: * (نصليهم) * فيه زيادة على ذلك فإنه بمنزلة شويته بالنار، يقال شاة مصلية أي مشوية.
ثم قال تعالى: * (كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب) * وفيه سؤالان:
السؤال الأول: لما كان تعالى قادرا على ابقائهم أحياء في النار أبد الآباد فلم لم يبق أبدانهم في النار مصونة عن النضج والاحتراق مع أنه يوصل إليها الآلام الشديدة، حتى لا يحتاج إلى تبديل جلودهم بجلود أخرى؟
والجواب: أنه تعالى لا يسأل عما يفعل، بل نقول: انه تعالى قادر على أن يوصل إلى أبدانهم آلاما عظيمة من غير إدخال النار مع أنه تعالى أدخلهم النار.
السؤال الثاني: الجلود العاصية إذا احترقت فلو خلق الله مكانها جلودا أخرى وعذبها كان