لأنه القادر الغالب على جميع الممكنات، يقدر على إزالة طبيعة النار، ويقع في القلب أنه كريم رحيم، فكيف يليق برحمته تعذيب هذا الشخص الضعيف إلى هذا الحد العظيم؟ فقيل: كما أنه رحيم فهو أيضا حكيم، والحكمة تقتضي ذلك. فان نظام العالم لا يبقى إلا بتهديد العصاة، والتهديد الصادر منه لا بد وأن يكون مقرونا بالتحقيق صونا لكلامه عن الكذب، فثبت أن ذكر هاتين الكلمتين ههنا في غاية الحسن.
قوله تعالى * (والذين ءامنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجرى من تحتها الانهار خالدين فيهآ أبدا لهم فيهآ أزواج مطهرة وندخلهم ظلا ظليلا) *.
اعلم أنه قد جرت عادة الله تعالى في هذا الكتاب الكريم بأن الوعد والوعيد يتلازمان في الذكر على سبيل الأغلب، وفي الآية مسألتان:
المسألة الأولى: هذه الآية دالة على أن الايمان غير العمل، لأنه تعالى عطف العمل على الايمان، والمعطوف مغاير للمعطوف عليه. قال القاضي: متى ذكر لفظ الايمان وحده دخل فيه العمل، ومتى ذكر معه العمل كان الايمان هو التصديق، وهذا بعيد لأن الأصل عدم الاشتراك وعدم التغير، ولولا أن الأمر كذلك لخرج القرآن عن كونه مفيدا. فلعل هذه الألفاظ التي نسمعها في القرآن يكون لكل واحد منها معنى سوى ما نعلمه، ويكون مراد الله تعالى منه ذلك المعنى لا هذا الذي تبادرت أفهامنا إليه. هذا على القول بأن احتمال الاشتراك والافراد على السوية، وأما على القول بأن احتمال البقاء على الأصل واحتمال التغيير متساويان فلا، لأن على هذا التقدير يحتمل أن يقال: هذه الألفاظ كانت في زمان الرسول صلى الله عليه وسلم موضوعة لمعنى آخر غير ما نفهمه الآن، ثم تغيرت إلى هذا الذي نفهمه الآن. فثبت أن على هذين التقديرين يخرج القرآن عن كونه حجة، وإذا ثبت أن الاشتراك والتغيير خلاف الأصل اندفع كلام القاضي.
المسألة الثانية: اعلم أنه تعالى ذكر في شرح ثواب المطيعين أمورا: أحدها: أنه تعالى يدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار، وقال الزجاج: المراد تجري من تحتها مياه الأنهار، واعلم أنه إن جعل النهر اسما لمكان الماء كان الأمر مثل ما قاله الزجاج، أما إن جعلناه في المتعارف اسما لذلك