شيئا. الثاني: نعم الله على العبد لا تحصى وهي موجبة للطاعة والشكر، وإذا كانت الطاعات تقع في مقابلة النعم السالفة امتنع كونها موجبة للثواب في المستقبل. الثالث: أن الوجوب يستلزم استحقاق الذنب عند الترك، وهذا الاستحقاق ينافي الإلهية، فيمتنع حصوله في حق الاله تعالى، فثبت أن ظاهر الآية كما دل على أن الثواب كله فضل من الله تعالى، فالبراهين العقلية القاطعة دالة على ذلك أيضا، وقالت المعتزلة: الثواب وإن كان واجبا لكن لا يمتنع إطلاق اسم الفضل عليه، وذلك أن العبد إنما استحق ذلك الثواب لأن الله تعالى كلفه والتكليف تفضل، ولأنه تعالى هو الذي أعطى العقل والقدرة وأزاح الأعذار والموانع حتى تمكن المكلف من فعل الطاعة، فصار ذلك بمنزلة من وهب لغيره ثوبا كي ينتفع به، فإذا باعه وانتفع بثمنه جاز أن يوصف ذلك الثمن بأنه فضل من الواهب فكذا ههنا:
المسألة الثانية: قوله: * (ذلك الفضل من الله) * فيه احتمالان: أحدهما: أن يكون التقدير: ذلك هو الفضل من الله، ويكون المعنى أن ذلك الثواب لكمال درجته كأنه هو الفضل من الله وأن ما سواه فليس بشيء، والثاني: أن يكون التقدير: ذلك الفضل هو من الله، أي ذلك الفضل المذكور، والثواب المذكور هو من الله لا من غيره ، ولا شك أن الاحتمال الأول أبلغ.
ثم قال تعالى: * (وكفى بالله عليما) * وله موقع عظيم في توكيد ما تقدم من الترغيب في طاعة الله لأنه تعالى نبه بذلك على أنه يعلم كيفية الطاعة وكيفة الجزاء والتفضل، وذلك مما يرغب المكلف في كمال الطاعة والاحتراز عن التقصير فيه.
قوله تعالى * (يا أيها الذين ءامنوا خذوا حذركم فانفروا ثبات أو انفروا جميعا) *.
واعلم أنه تعالى عاد بعد الترغيب في طاعة الله وطاعة رسوله إلى ذكر الجهاد الذي تقدم، لأنه أشق الطاعات، ولأنه أعظم الأمور التي بها يحصل تقوية الدين فقال: * (يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم) * وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى: الحذر والحذر بمعنى واحد، كالأثر والأثر، والمثل والمثل، يقال: أخذ حذره إذا تيقظ واحترز من المخوف، كأنه جعل الحذر آلته التي يقي بها نفسه ويعصم بها روحه، والمعنى احذروا واحترزوا من العدو ولا تمكنوه من أنفسكم، هذا ما ذكره صاحب " الكشاف ". وقال الواحدي رحمه الله فيه قولان: أحدهما: المراد بالحذر ههنا السلاح، والمعنى خذوا سلاحكم، والسلاح يسمى حذرا، أي خذوا سلاحكم وتحذروا، والثاني: أن يكون * (خذوا حذركم) * بمعنى