المسألة الثانية: دلت الآية على أن الله تعالى أمره بالجهاد ولو وحده قبل دعاء الناس في بدر الصغرى إلى الخروج، وكان أبو سفيان واعد الرسول صلى الله عليه وسلم اللقاء فيها، فكره بعض الناس أن يخرجوا، فنزلت هذه الآية، فخرج وما معه الا سبعون رجلا ولم يلتفت إلى أحد، ولو لم يتبعوه لخرج وحده.
المسألة الثالثة: دلت الآية على أنه صلى الله عليه وسلم كان أشجع الخلق وأعرفهم بكيفية القتال لأنه تعالى ما كان يأمره بذلك إلا وهو صلى الله عليه وسلم موصوف بهذه الصفات، ولقد اقتدى به أبو بكر رضي الله عنه حيث حاول الخروج وحده إلى قتال مانعي الزكاة، ومن علم أن الأمر كله بيد الله وأنه لا يحصل أمر من الأمور إلا بقضاء الله سهل ذلك عليه.
ثم قال تعالى: * (لا تكلف إلا نفسك) * وفيه مسائل:
المسألة الأولى: قال صاحب " الكشاف ": قرىء * (لا تكلف) * بالجزم على النهي. و * (لا نكلف) * بالنون وكسر اللام، أي لا نكلف نحن إلا نفسك وحدها.
المسألة الثانية: قال الواحدي رحمه الله. انتصاب قوله: * (نفسك) * على مفعول ما لم يسم فاعله.
المسألة الثالثة: دلت الآية على أنه لو لم يساعده على القتال غيره لم يجز له التخلف عن الجهاد البتة، والمعنى لا تؤاخذ إلا بفعلك دون فعل غيرك، فإذا أديت فعلك لا تكلف بفرض غيرك.
واعلم أن الجهاد في حق غير الرسول عليه السلام من فروض الكفايات، فما لم يغلب على الظن أنه يفيد لم يجب، بخلاف الرسول عليه الصلاة والسلام فإنه على ثقة من النصر والظفر بدليل قوله تعالى: * (والله يعصمك من الناس) * (المائدة: 67) وبدليل قوله ههنا: * (عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا) * و " عسى " من الله جزم، فلزمه الجهاد وان كان وحده.
ثم قال تعالى: * (وحرض المؤمنين) * والمعنى ان الواجب على الرسول عليه الصلاة والسلام إنما هو الجهاد وتحريض الناس في الجهاد، فان أتى بهذين الأمرين فقد خرج عن عهدة التكليف وليس عليه من كون غيره تاركا للجهاد شيء.
ثم قال: * (عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا) * وفيه مسائل:
المسألة الأولى: عسى: حرف من حروف المقاربة وفيه ترج وطمع، وذلك على الله تعالى محال.
والجواب عنه ان " عسى " معناها الأطماع، وليس في الأطماع أنه شك أو يقين، وقال بعضهم: إطماع الكريم إيجاب.