الناس بالبخل) * (النساء: 37) والثاني: الذين ينفقون أموالهم، لكن لا لغرض الطاعة، بل لغرض الرياء والسمعة، فهذه الفرقة أيضا مذمومة، ومتى بطل القول بهذين القسمين لم يبق إلا القسم الأول. وهو إنفاق الأموال لغرض الاحسان.
ثم قال تعالى: * (ومن يكن الشيطان له قرينا فساء قرينا) *. والمعنى: أن الشيطان قرين لأصحاب هذه الأفعال كقوله: * (ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين) * (الزخرف: 36) وبين تعالى أنه بئس القرين، إذ كان يضله عن دار النعيم ويورده نار السعير وهو كقوله: * (ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ويتبع كل شيطان مريد * كتب عليه أنه من تولاه فإنه يضله ويهديه إلى عذاب السعير) * (الحج: 3 - 4).
ثم انه تعالى عيرهم وبين سوء اختيارهم في ترك الايمان.
قوله تعالى * (وماذا عليهم لو ءامنوا بالله واليوم الاخر وأنفقوا مما رزقهم الله وكان الله بهم عليما) *.
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: قوله: * (وماذا عليهم) * استفهام بمعنى الانكار، ويجوز أن يكون " ماذا " اسما واحدا، فيكون المعنى: وأي الشيء عليهم، ويجوز أن يكون " ذا " في معنى الذي، ويكون " ما " وحدها اسما، ويكون المعنى: وما الذي عليهم لو آمنوا.
المسألة الثانية: احتج القائلون بأن الايمان يصح على سبيل التقليد بهذه الآية فقالوا: إن قوله تعالى: * (وماذا عليهم لو آمنوا) * مشعر بأن الاتيان بالايمان في غاية السهولة، ولو كان الاستدلال معتبرا لكان في غاية الصعوبة، فانا نرى المستدلين تفرغ أعمارهم ولا يتم استدلالهم، فدل هذا على أن التقليد كاف.
أجاب المتكلمون بأن الصعوبة في التفاصيل، فأما الدلائل على سبيل الجملة فهي سهلة، واعلم أن في هذا البحث غورا.
المسألة الثالثة: احتج جمهور المعتزلة بهذه الآية وضربوا له أمثلة، قال الجبائي: ولو كانوا غير قادرين لم يجز أن يقول الله ذلك، كما لا يقال لمن هو في النار معذب: ماذا عليهم لو خرجوا منها وصاروا إلى الجنة، وكما لا يقال للجائع الذي لا يقدر على الطعام: ماذا عليه لو أكل. وقال الكعبي: لا يجوز أن يحدث فيه الكفر ثم يقول: ماذا عليه لو آمن. كما لا يقال لمن أمرضه: ماذا عليه لو كان