الخوف أو لم يحصل. وعاشرها: قوله: * (إن يريدا اصلاحا يوفق الله بينهما) * (النساء: 35) وقد يحصل التوفيق بدون إرادتيهما، والحادي عشر: قوله: * (وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته) * (النساء: 130) وقد يحصل الغنى بدون ذلك التفرق، وهذا الجنس من الآيات فيه كثرة، فثبت أن المعلق بكلمة " إن " على الشيء لا يلزم أن يكون عدما عند عدم ذلك الشيء، والعجب أن مذهب القاضي عبد الجبار في أصول الفقه هو أن المعلق بكلمة " إن " على الشيء لا يكون عدما عند عدم ذلك الشيء، ثم إنه في التفسير استحسن استدلال الكعبي بهذه الآية، وذلك يدل على أن حب الانسان لمذهبه قد يلقيه فيما لا ينبغي.
الوجه الثاني من الجواب: قال أبو مسلم الأصفهاني: إن هذه الآية إنما جاءت عقيب الآية التي نهى الله فيها عن نكاح المحرمات، وعن عضل النساء وأخذ أموال اليتامى وغير ذلك، فقال تعالى: إن تجتنبوا هذه الكبائر التي نهيناكم عنها كفرنا عنكم ما كان منكم في ارتكابها سالفا. وإذا كان هذا الوجه محتملا، لم يتعين حمله على ما ذكره المعتزلة. وطعن القاضي في هذا الوجه من وجهين: الأول: أن قوله: * (إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه) * عام، فقصره على المذكور المتقدم لا يجوز. الثاني: أن قوله: إن باجتنابهم في المستقبل هذه المحرمات يكفر الله ما حصل منها في الماضي كلام بعيد؛ لأنه لا يخلو حالهم من أمرين اثنين: إما أن يكونوا قد تابوا من كل ما تقدم، فالتوبة قد أزالت عقاب ذلك لاجتناب هذه الكبائر، أو لا يكونوا قد تابوا من كل ما تقدم، فمن أين أن اجتناب هذه الكبائر يوجب تكفير تلك السيئات؟ هذا لفظ القاضي في تفسيره.
والجواب عن الأول: أنا لا ندعي القطع بأن قوله: * (إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه) * محمول على ما تقدم ذكره، لكنا نقول: إنه محتمل، ومع هذا الاحتمال لا يتعين حمل الآية على ما ذكروه. وعن الثاني: أن قولك: من أين أن اجتناب هذا الكبائر يوجب تكفير تلك السيئات؟ سؤال لا استدلال على فساد هذا القسم، وبهذا القدر لا يبطل هذا الاحتمال، وإذا حضر هذا الاحتمال بطل ما ذكرتم من الاستدلال والله أعلم.
الوجه الثالث: من الجواب عن هذا الاستدلال: هو أنا إذا أعطيناهم جميع مراداتهم لم يكن في الآية زيادة على أن نقول: إن من لم يجتنب الكبائر لم تكفر سيآته، وحينئذ تصير هذه الآية عامة في الوعيد، وعمومات الوعيد ليست قليلة، فما ذكرناه جوابا عن سائر العمومات كان جوابا عن تمسكهم بهذه الآية، فلا أعرف لهذه الآية مزيد خاصية في هذا الباب، وإذا كان كذلك لم يبق لقول الكعبي: إن الله قد كشف الشبهة بهذه الآية عن هذه المسألة وجه.
الوجه الرابع: أن هذه الكبائر قد يكون فيها ما يكون كبيرا، بالنسبة إلى شيء، ويكون