الحقوق لأجل الرياء والسمعة، بل لمحض أمر الله تعالى.
قوله تعالى * (الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ويكتمون مآ ءاتاهم الله من فضله وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا) *.
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: قرأ حمزة والكسائي: * (بالبخل) * بفتح الباء والخاء، وفي الحديد مثله، وهي لغة الأنصار، والباقون * (بالبخل) * بضم الباء والخاء وهي اللغة العالية.
المسألة الثانية: الذين يبخلون: بدل من قوله: * (من كان مختالا فخورا) * والمعنى: ان الله لا يحب من كان مختالا فخورا ولا يحب الذين يبخلون، أو نصب على الذم. ويجوز أن يكون رفعا على الذم، ويجوز أن يكون مبتدأ خبره محذوف كأنه قيل: الذين يبخلون ويفعلون ويصنعون: أحقاء بكل ملامة.
المسألة الثالثة: قال الواحدي: البخل فيه أربع اللغات: البخل. مثل القفل، والبخل مثل الكرم، والبخل مثل الفقر، والبخل بضمتين. ذكره المبرد، وهو في كلام العرب عبارة عن منع الاحسان، وفي الشريعة منع الواجب. المسألة الرابعة: قال ابن عباس: انهم اليهود، بخلوا أن يعترفوا بما عرفوا من نعت محمد عليه الصلاة والسلام وصفته في التوراة، وأمروا قومهم أيضا بالكتمان * (ويكتمون ما آتاهم الله من فضله) * يعني من العلم بما في كتابهم من صفة محمد صلى الله عليه وسلم * (واعتدنا) * في الآخرة لليهود * (عذابا مهينا) * واحتج من نصر هذا القول: بأن ذكر الكافر في آخر الآية يدل على أن المراد بأولها الكافر. وقال آخرون: المراد منه البخل بالمال، لأنه تعالى ذكره عقيب الآية التي أوجب فيها رعاية حقوق الناس بالمال، فإنه قال: * (وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل) * (النساء: 36) ومعلوم أن الاحسان إلى هؤلاء إنما يكون بالمال، ثم ذم المعرضين عن هذا الاحسان فقال: * (ان الله لا يحب من كان مختالا فخورا) * (النساء: 36) ثم عطف عليه * (الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل) * فوجب أن يكون هذا البخل بخلا