الماء فلا حاجة إلى هذا الأقمار، وثانيها: أنه تعالى وصفها بالخلود والتأبيد، وفيه رد على جهم بن صفوان حيث يقول: إن نعيم الجنة وعذاب النار ينقطعان، وأيضا أنه تعالى ذكر مع الخلود التأبيد، ولو كان الخلود عبارة عن التأبيد لزم التكرار وهو غير جائز، فدل هذا أن الخلود ليس عبارة عن التأبيد، بل هو عبارة عن طول المكث من غير بيان أنه منقطع أو غير منقطع، وإذا ثبت هذا الأصل فعند هذا يبطل استدلال المعتزلة بقوله تعالى: * (ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها) * (النساء: 93) على أن صاحب الكبيرة يبقى في النار على سبيل التأبيد، لأنا بينا بدلالة هذه الآية أن الخلود لطول المكث لا للتأبيد، وثالثها: قوله تعالى: * (لهم فيها أزواج مطهرة) * والمراد طهارتهن من الحيض والنفاس وجميع أقذار الدنيا، ونظيره قوله تعالى في سورة البقرة: * (لهم فيها أزواج مطهرة وهم فيها خالدون) * واللطائف اللائقة بهذا الموضع قد ذكرناها في تلك الآية. ورابعها: قوله: * (وندخلهم ظلا ظليلا) * قال الواحدي: الظليل ليس ينبئ عن الفعل حتى يقال: إنه بمعنى فاعل أو مفعول، بل هو مبالغة في نعت الظل، مثل قولهم: ليل أليل.
واعلم أن بلاد العرب كانت في غاية الحرارة، فكان الظل عندهم أعظم أسباب الراحة، ولهذا المعنى جعلوه كناية عن الراحة. قال عليه الصلاة السلام: " السلطان ظل الله في الأرض " فإذا كان الظل عبارة عن الراحة كان الظليل كناية عن المبالغة العظيمة في الراحة، هذا ما يميل إليه خاطري، وبهذا الطريق يندفع سؤال من يقول: إذا لم يكن في الجنة شمس تؤذي بحرها فما فائدة وصفها بالظل الظليل. وأيضا نرى في الدنيا أن المواضع التي يدوم الظل فيها ولا يصل نور الشمس إليها يكون هواؤها عفنا فاسدا مؤذيا فما معنى وصف هواء الجنة بذلك لأن على هذا الوجه الذي لخصناه تندفع هذه الشبهات.
قوله تعالى * (إن الله يأمركم أن تؤدوا الامانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا) *.
اعلم أنه سبحانه لما شرح بعض أحوال الكفار وشرح وعيده عاد إلى ذكر التكاليف مرة أخرى، وأيضا لما حكى عن أهل الكتاب أنهم كتموا الحق حيث قالوا للذين كفروا : هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا، أمر المؤمنين في هذه الآية بأداء الأمانات في جميع الأمور، سواء كانت تلك الأمور من باب المذاهب والديانات، أو من باب الدنيا والمعاملات، وأيضا لما ذكر في الآية السابقة الثواب العظيم للذين آمنوا وعملوا الصالحات، وكان من أجل الأعمال الصالحة الأمانة