وأقول: إنه تعالى جمع في هذه الآية قرائن كثيرة، كل واحدة منها تدل على عظم هذا الأجر. أحدها: أنه ذكر نفسه بصيغة العظمة وهي قوله: * (آتيناه) * وقوله: * (من لدنا) * والمعطي الحكيم إذا ذكر نفسه باللفظ الدال على عظمة عند الوعد بالعطية دل ذلك على عظمة تلك العطية، وثانيها: قوله: * (من لدنا) * وهذا التخصيص يدل على المبالغة، كما في قوله: * (وعلمناه من لدنا علما) * (الكهف: 65) وثالثها: أن الله تعالى وصف هذا الأجر بالعظيم، والشيء الذي وصفه أعظم العظماء بالعظمة لا بد وأن يكون في نهاية الجلالة، وكيف لا يكون عظيما، وقد قال عليه الصلاة والسلام: " فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ".
النوع الرابع: قوله: * (ولهديناهم صراطا مستقيما) * وفيه قولان: أحدهما: أن الصراط المستقيم هو الدين الحق، ونظيره قوله تعالى: * (وانك لتهدي إلى صراط مستقيم صراط الله) * (الشورى: 52 - 53) والثاني: انه الصراط الذي هو الطريق من عرصة القيامة، وذلك لأنه تعالى ذكره بعد ذكر الثواب والأجر، والدين الحق مقدم على الثواب والأجر، والصراط الذي هو الطريق من عرصة القيامة إلى الجنة إنما يحتاج إليه بعد استحقاق الأجر، فكان حمل لفظ الصراط في هذا الموضع على هذا المعنى أولى.
قوله تعالى * (ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهدآء والصالحين وحسن أولئك رفيقا * ذلك الفضل من الله وكفى بالله عليما) *.
اعلم أنه تعالى لما أمر بطاعة الله وطاعة الرسول بقوله: * (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول) * ثم زيف طريقة الذين تحاكموا إلى الطاغوت وصدوا عن الرسول، ثم أعاد الأمر بطاعة الرسول مرة أخرى فقال: * (وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله) * (النساء: 64) ثم رغب في تلك الطاعة بقوله: * (لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا * وإذا لآتيناهم من لدنا أجرا عظيما * ولهديناهم صراطا مستقيما) * (النساء: 66 - 67 - 68) أكد الأمر بطاعة الله وطاعة الرسول في هذه الآية مرة أخرى فقال: * (ومن يطع الله والرسول