في الشرق والغرب؟
قلنا لعله يقال: القوم كانوا قليلين، والعلماء بالكتاب كانوا في غاية القلة فقدروا على هذا التحريف، والثاني: أن المراد بالتحريف: إلقاء الشبه الباطلة، والتأويلات الفاسدة، وصرف اللفظ عن معناه الحق إلى معنى باطل بوجوه الحيل اللفظية، كما يفعله أهل البدعة في زماننا هذا بالآيات المخالفة لمذاهبهم، وهذا هو الأصح. الثالث: أنهم كانوا يدخلون على النبي صلى الله عليه وسلم ويسألونه عن أمر فيخبرهم ليأخذوا به، فإذا خرجوا من عنده حرفوا كلامه.
المسألة الرابعة: ذكر الله تعالى ههنا: * (عن مواضعه) * وفي المائدة * (من بعد مواضعه) * والفرق أنا إذا فسرنا التحريف بالتأويلات الباطلة، فههنا قوله: * (يحرفون الكلم عن مواضعه) * معناه: أنهم يذكرون التأويلات الفاسدة لتلك النصوص، فههنا قوله: * (يحرفون الكلم عن مواضعه) * معناه: أنهم يذكرون التأويلات الفاسدة لتلك النصوص، وليس فيه بيان أنهم يخرجون تلك اللفظة من الكتاب. وأما الآية المذكورة في سورة المائدة، فهي دالة على أنهم جمعوا بين الأمرين، فكانوا يذكرون التأويلات الفاسدة، وكانوا يخرجون اللفظ أيضا من الكتاب، فقوله: * (يحرفون الكلم) * إشارة إلى التأويل الباطل وقوله: * (من بعد مواضعه) * إشارة إلى إخراجه عن الكتاب.
النوع الثاني: من ضلالاتهم: ما ذكره الله تعالى بقوله: * (ويقولون سمعنا وعصينا) * وفيه وجهان: الأول: أن النبي عليه السلام كان إذا أمرهم بشيء قالوا في الظاهر: سمعنا، وقالوا في أنفسهم: وعصينا والثاني: أنهم كانوا يظهرون قولهم: سمعنا وعصينا، إظهارا للمخالفة، واستحقارا للأمر.
النوع الثالث: من ضلالتهم قوله: * (واسمع غير مسمع) *.
واعلم أن هذه الكلمة ذو وجهين يحتمل المدح والتعظيم، ويحتمل الاهانة والشتم. أما أنه يحتمل المدح فهو أن يكون المراد اسمع غير مسمع مكروها، وأما أنه محتمل للشتم والذم فذاك من وجوه: الأول: أنهم كانوا يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم: اسمع، ويقولون في أنفسهم: لا سمعت، فقوله: * (غير مسمع) * معناه: غير سامع، فان السامع مسمع، والمسمع سامع. الثاني: غير مسمع، أي غير مقبول منك، ولا تجاب إلى ما تدعو إليه، ومعناه غير مسمع جوابا يوافقك، فكأنك ما أسمعت شيئا. الثالث: اسمع غير مسمع كلاما ترضاه، ومتى كان كذلك فان الانسان لا يسمعه لنبو سمعه عنه، فثبت بما ذكرنا أن هذه الكلمة محتملة للذم والمدح، فكانوا يذكرونها لغرض الشتم.
النوع الرابع: من ضلالاتهم قولهم: * (وراعنا ليا بألسنتهم وطعنا في الدين) * أما تفسير * (راعنا) * فقد ذكرناه في سورة البقرة وفيه وجوه: الأول: أن هذه كلمة كانت تجري بينهم على جهة الهزء والسخرية، فلذلك نهى المسلمون أن يتلفظوا بها في حضرة الرسول صلى الله عليه وسلم. الثاني: