سفر، وإما جارا ملاصقا، وإما شريكا في تعلم أو حرفة، وإما قاعدا إلى جنبك في مجلس أو مسجد أو غير ذلك، من أدنى صحبة التأمت بينك وبينه، فعليك أن ترعى ذلك الحق ولا تنساه وتجعله ذريعة إلى الاحسان. قيل: الصاحب الجنب: المرأة فإنها تكون معك وتضجع إلى جنبك.
النوع العاشر: قوله: * (وابن السبيل) * وهو المسافر الذي انقطع عن بلده، وقيل: الضيف.
النوع الحادي عشر: قوله: * (وما ملكت أيمانكم) *.
واعلم أن الاحسان إلى المماليك طاعة عظيمة، روى عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من ابتاع شيئا من الخدم فلم توافق شيمته شيمته فليبع وليشتر حتى توافق شيمته شيمته فان للناس شيما ولا تعذبوا عباد الله " وروي أنه عليه الصلاة والسلام كان آخر كلامه: " الصلاة وما ملكت أيمانكم " وروي أنه كان رجل بالمدينة يضرب عبده، فيقول العبد أعوذ بالله ويستمعه الرسول عليه السلام، والسيد كان يزيده ضربا، فطلع الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال: أعوذ برسول الله فتركه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله كان أحق أن يجار عائذه " قال يا رسول الله فإنه حر لوجه الله، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: " والذي نفس محمد بيده لو لم تقلها لدافع وجهك سفع النار ".
واعلم أن الاحسان إليهم من وجوه: أحدها: أن لا يكلفهم ما لا طاقة لهم به، وثانيها: أن لا يؤذيهم بالكلام الخشن بل يعاشرهم معاشرة حسنة، وثالثها: أن يعطيهم من الطعام والكسوة ما يحتاجون إليه. وكانوا في الجاهلية يسيئون إلى المملوك فيكلفون الإماء البغاء، وهو الكسب بفروجهن وبضوعهن. وقال بعضهم: كل حيوان فهو مملوك، والاحسان إلى الكل بما يليق به طاعة عظيمة.
واعلم أن ذكر اليمين تأكيد وهو كما يقال: مشت رجلك، وأخذت يدك، قال عليه الصلاة والسلام: " على اليد ما أخذت " وقال تعالى: * (مما عملت أيدينا أنعاما) * (يس: 71) ولما ذكر تعالى هذه الأصناف قال: * (إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا) * والمختال ذو الخيلاء والكبر. قال ابن عباس: يريد بالمختال العظيم في نفسه الذي لا يقوم بحقوق أحد. قال الزجاج: وإنما ذكر الاختيال ههنا، وذكرنا اشتقاق هذه اللفظة عند قوله: * (والخيل المسومة) * (آل عمران: 14) ومعنى الفخر التطاول، والفخور الذي يعدد مناقبه كبرا وتطاولا. قال ابن عباس: هو الذي يفخر على عباد الله بما أعطاه الله من أنواع نعمه، وإنما خص الله تعالى هذين الوصفين بالذم في هذا الموضع، لأن المختال هو المتكبر، وكل من كان متكبرا فإنه قلما يقوم برعاية الحقوق، ثم أضاف إليه ذم الفخور لئلا يقدم على رعاية هذه