الجواب: منهم من حمل ذلك على طريقة الالتفات كما في قوله تعالى: * (حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم) * (يونس: 22) ومنهم من قال: هذا تنبيه على أن التهديد حاصل في غيرهم ممن يكذبون من أبناء جنسهم. وعندي فيه احتمال آخر: وهو أن اللعن هو الطرد والابعاد، وذكر البعيد لا يكون إلا بالمغايبة، فلما لعنهم ذكرهم بعبارة الغيبة.
ثم قال تعالى: * (وكان أمر الله مفعولا) * وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: قال ابن عباس: يريد لا راد لحكمه ولا ناقض لأمره، على معنى أنه لا يتعذر عليه شيء يريد أن يفعله، كما تقول في الشيء الذي لا شك في حصوله : هذا الأمر مفعول وإن لم يفعل بعد. وإنما قال: * (وكان) * إخبارا عن جريان عادة الله في الأنبياء المتقدمين أنه مهما أخبرهم بانزال العذاب عليهم فعل ذلك لا محالة، فكأنه قيل لهم: أنتم تعلمون أنه كان تهديد الله في الأمم السالفة واقعا لا محالة، فاحترزوا الآن وكونوا على حذر من هذا الوعيد والله أعلم.
المسألة الثانية: احتج الجبائي بهذه الآية على أن كلام الله محدث فقال: قوله: * (وكان أمر الله مفعولا) * يقتضي أن أمره مفعول، والمخلوق والمصنوع والمفعول واحد، فدل هذا على أن أمر الله مخلوق مصنوع، وهذا في غاية السقوط لأن الأمر في اللغة جاء بمعنى الشأن والطريقة والفعل قال تعالى: * (وما أمر فرعون برشيد) * (هود: 97) والمراد ههنا ذاك.
قوله تعالى * (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشآء ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما) *.
اعلم أن الله تعالى لما هدد اليهود على الكفر، وبين أن ذلك التهديد لا بد من وقوعه لا محالة بين أن مثل هذا التهديد من خواص الكفر، فأما سائر الذنوب التي هي مغايرة للكفر فليست حالها كذلك، بل هو سبحانه قد يعفو عنها، فلا جرم قال: * (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) * وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى: هذه الآية دالة على أن اليهودي يسمى مشركا في عرف الشرع، ويدل عليه وجهان: الأول: أن الآية دالة على أن ما سوى الشرك مغفور، فلو كانت اليهودية مغايرة للشرك