ثم إن ذلك المسلم ما كان يتفحص عن حاله، بل ربما قتله طمعا في سلبه، فالله تعالى زجر عن ذلك فقال: * (وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها) * وإياكم أن تتعرضوا له بالقتل.
ثم قال: * (إن الله كان على كل شيء حسيبا) * أي هو محاسبكم على أعمالكم وكافي في إيصال جزاء أعمالكم إليكم فكونوا على حذر من مخالفة هذا التكليف، وهذا يدل على شدة العناية بحفظ الدماء والمنع من إهدارها.
قوله تعالى * (الله لا إله إلا هو ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه ومن أصدق من الله حديثا) *.
في الآية مسائل: المسألة الأولى: في كيفية النظم وجهان: الأول: أنا بينا أن المقصود من قوله: * (وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها) * أن لا يصير الرجل المسلم مقتولا، ثم إنه تعالى أكد ذلك بالوعيد في قوله: * (إن الله كان على كل شيء حسيبا) * ثم بالغ في تأكيد ذلك الوعيد بهذه الآية، فبين في هذه الآية أن التوحيد والعدل متلازمان، فقوله: * (لا إله إلا هو) * إشارة إلى التوحيد، وقوله: * (ليجمعنكم إلى يوم القيامة) * إشارة إلى العدل، وهو كقوله: * (شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط) * (آل عمران: 18) وكقوله في طه: * (انني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكرى) * (طه: 14) وهو إشارة إلى التوحيد ثم قال: * (إن الساعة آتية أكاد أخفيها لتجزى كل نفس بما تسعى) * (طه: 15) وهو إشارة إلى العدل، فكذا في هذه الآية بين أنه يجب في حكمه وحكمته أن يجمع الأولين والآخرين في عرصة القيامة فينتصف للمظلومين من الظالمين، ولا شك أنه تهديد شديد. الثاني: كأنه تعالى يقول: من سلم عليكم وحياكم فاقبلوا سلامه وأكرموه وعاملوه بناء على الظاهر، فان البواطن إنما يعرفها الله الذي لا إله إلا هو، إنما تنكشف بواطن الخلق للخلق في يوم القيامة.
المسألة الثانية: قال صاحب " الكشاف ": قوله: * (لا إله إلا هو) * إما خبر للمبتدأ، وإما اعتراض والخبر * (ليجمعنكم) * واللام لام القسم، والتقدير: والله ليجمعنكم.
المسألة الثالثة: لقائل أن يقول: لم لم يقل: ليجمعنكم في يوم القيامة؟